{ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِيۤ آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ } اخبر سبحانه عن سر تقدير الازل الذى فى نفسه فى اول الاول قبل كل قبل لا تغائر الزمان وتواتر الملو ان وذلك ارادة سابقة ازلية ذاتية صافتية احدية يكون بوجود ايجاده بظهور وجوده تعالى له فتقاضت الارادة من العلم والعلم من القدرة من جيمع الصفات والصفات من الذات بغير تفرقه ولا جمع بل الوحدانية فاجابت الصفات للذات والذات للصفات من غير حاجة ولا وحشة والا انس بالحدثان بل الوجود اهل العرفان فمضى ادهار الازلية بلا زمان ولا مكان بل قدم فى القدم وازل فى الازل اخبر عن علم القديم لا من الوقت الا ترى الى قوله واذا وليس عنده صباح ومساء لما تم ادهار الاولية التى هو دهر الدهاء المنزهة عن المكان والزمان وتمامها وقت ايجاد الاكوان والحدثان وابراز اهل العرفان من معدن العيان تجلت انوار الذات لانوار الصفات وتجلت انوار الصفات لانوار الذات ثم تجلى الذات بجميعا للارادة والمحبة ثم تجب الارادة والمحبة لفعل الخاص ثم تجلى الفعل ثم كساها نور فعل الخاص ثم احضرها مشارب المحبة والارادة فسقاها من عين المحبة شراب العشق ومن عين الارادة شراب التوحدي فاشتاقت من شراب المحبة وسكرت من هذه العشق وبهجت الى معدن الصفة وطارت باجنحة التوحدي فى انوار الصفات ثم طارت بنور الصفات فى انوار الذات ففنيت فى القدم برؤية القدم وبقيت فى البقاء برؤية البقاء فترفرفت كل واحدة على مورد من موارد الصفات وسكنت فى العيون الصفات الارواح فبضعها فى عين العظمة وبعضها فى عين الجلال وبعضها فى عين الجمال وبعضها فى عين الكبرياء وبعضها فى عين القدم وبعضها فى عين البقاء وبعضها فى عين البهاء وبعضها فى عين الحسن وبعضها عين القدس وبعضها فى نور الانس وبعضها فى سنا وبعضها فى نور الاسماء والنعوت وبعضها فى عين الحياة وبعضها فى نور السمع وبعضها فى نور البصر وبعضها فى نور الكلام وبعضها فى نور الوجه وبعضها فى نور القدوة ---- فى نور العلم وبعضها فى نور المشية والارادة وبعضها فى صفات الخاصة من الاستواء وغيره من الصفات وبعضها الى نور العطاء وبعضها فى نورا للطف وبعضها فى عين القهر وكل احدة منها قويت لسجية موردها وقوة شربها ولك واحدة اشتاقت فيها الى معدنا لذلك طباعها مختلفة فى المقامات والحالات والمكاشفات والمشاهدات فوقعت اهل الالطاف فى عيون المعرفة فبقيت فى المعرفة ابدا ووقعت اهل القهريات فى النكرة فبقيت فى النكرة ابدا الا ترى الى مناهجهما من الكفر والايمان فلما اراد سبحانه عبوديتها اخرجها من الغيب الى صورة البشرية بنعت الامتحان والعبودية وكساها لباس الصلصالية بقوله واذ اخذ ربك من بنى ادم من ظهروهم ذريتهم اخرجهم جميعا بظهور وجوده لهم فخرجوا جميعا بنور ظهره وتجلى صفاته وذاته اخذهم بمباشرة الصفة فى الفعل فوصل بركته اخذه الى اهل معرفته لان اخذه لهم اخذ لطف ووصل وقهر اخذه الى اهل النكرة لانهم اهل قهر فمن خرج بلباس اللطف شاهد الحق مشاهدة عيان ومن خرج بنعت القهر شاهد قهر الحق مشاهدة امتاع وحجاب لذلك بعضهم حجدوه اشهدهم على انفسهم ليغيبوا عن مشاهدته ولو اشهدهم مشاهدته ما احتاجوا الى تعريف الخطاب بقوله الست بربكم كانوا فى الاول شاهدين ثم كانوا غائبين فلما صاروا غائبين عرفهم تلك المواريد والمشارب فى زمان الاول حين خرجوا من العدم بنور القدم الست بربكم خطاب ترعيف وتكذير معاهد الاولية وانشد فى معناه
سقيا لمعهدك الذى لو لم يكن ما كان قلبى للصبابة معهدا
وهل الى لى ارض الحبيب رجوع سلام على سلمى وان شطدارها
سلام على ارض قديم بها العهد
فى الاول كانوا غائبين عنه فادركهم نور محبته فاولهم قبل ظهورهم فى لباس أدم فلما عرفم تلك الحلاوة ذكروا ما وجدوا وانشدوا
انانى هواها قبل ان عرف الهوى فصادف قلبا فارعا فتمكنا
الست بربكم لاهل اللطف خطاب تعطف ولاهل القهر خطاب تعظم خاطب العارفين بتعريف المشاهدات وخاطب الجاهلين بالقهر والامتحانات فاعرفوا جميعا بواحدانيته طوعا وكرها طوا لاهل العرفان وكرها لاهل العميا والطغيان ولولا خطابه وانطاقة بالقدرة الازلية ما قالوا جميعهم بلى الا اهل شهود جماله فلما خاطبهم فرح اهل محبته فطاروا باجنحة توحيده فى هواء وحدانيته فرحا وسروا بجماله وتحير اهل الحجاب فبهتوا وتاهوا فى اودية قهره ثم عظم ميثاقه تعالى معهم بشهوده اياهم بقوله شهدنا اخبرعن كشف نقاب الازلية عن وجه السرمدية لاهل المرعفة لئلا تنسوه طرفة عين الى ابدا الابدين وان كانوا فى حجب الامتحان لان العاشق يرى معشوقه فى رؤية جميع البلاء وكيف يحتجب المحب عن محبوبه ومحبته محيطة بجميع وجوه
اريد لانسى ذكرها فكانما تمثل الى ليلى بكل سبيل
قال ابو سعيد الخراز فى قوله واذا اخذ ربك من بنى أدم ترابا لاهل الايمان بالسكون فعرفوه وسكنوا واطمأنوا وترابا لاهل الكفر بالتعظيم فطاشت عقولهم فتفرقوا عنه وقال يوسف قد اخبر انه خاطبهم ربهم وهم غير موجودين الا بايجاده لهم اذا كانوا واجدين الحق من غير وجودهم لانفسهم كان الحق بالحق فى ذلك موجود بالمعنى الذى لا يعلمه غيره ولا يجده سواه قال بعضهم فى قوله الست بربكم قالوا بلى من غير مشاهدة ثم كوشفوا فشهد واما خوطبوا به قالوا شهدنا اى شهدنا حقائق حقك وقال الحسين الحق انطق الذر بالايمان طوعا وكرها انطقهم بكرة الاخذ اخذهم عنهم وانطقهم لابهم بل اخذهم عنهم ثم اشهدهم حقيقة فانطقت عنهم القدرة من غير شركة كانت لهم فيه قال النصر ابادى فى هذه الأيات موئل الاكبر وما الف الا عظم معافون من السلالة والطين وما عبده من النطف والمصنغ افانتم فى جملة اخذ الاول او مردودون الى معتاد الاخذ فى السلالات والنطف فان اخذا لاول اول باول الاول وهو باو الاول اول قال النصر ابادى اخذ ربك تلطفا وتكرما بل اخذه جلالا وعظمة بل اخذه عز واستغناء وقال ايضا اخذلا للحاجة فمنع الخلق حاجتهم ان يروا ذرة من معانى الحجة وقال اخذ ربك من معدن الى معدن ومن معدن لمعدن قال الجريد فى قوله الست بربكم قال تعرف الى كل طائفة من الطوائف وبما منحها من معرفته فقالت بلى وكل امر بما منح ثم اخرجهم من صلب أدم فقال كنتم اعداء فالف بين قلوبكم وقال لبينه لو انفقت ما فى الارض جميعا ما الفت بين قلوبهم ولكن الله الف بينهم وقال بعضهم خاطب منصوب القدرة عى فين القدم وسئل عبد الرحيم عن قوله واذا اخذ ربك من بنى ادم قال كانوا موجودين فى القدرة مغبين فى شهود الوجود وقال الواسطى فى قوله الست بربكم قالوا بلى قال هو تقرير فى صورة السوال وقال عبضهم القدرة اجابت عن القدرة وقيل فى قوله قالوا بلى قال سمعوا كلامه ان ليس كمثله شئ وخلق حياتهم من ذلك النور وجعل قوام جميعهم بتلك الكلمة وانشد
لو يسمعون كما سمعت كلامها خروا العزة ركعا سجود
قال ابن بنان لله خالصة من خلقه انجيتهم للولاية واستخلصهم للكرامة وافردهم به فجعل اجسادهم دنيائية وارواحهم نورانية واذهانهم روحانية واوطان ارواحهم غيبية وجعلهم فسوحا فى غوامض غيوب الملكوت للذين اوجدهم لديه فى كون الازل ثم دعاهم فاجابوا سراعا اجاب تركيبهم حين اوجهم بعد الدعوة منه وعرفهم نفسه حين لم يكونوا فى صورة الانسية ثم اخرجهم بمشيته خلقا فاودعهم صلب أدم فقال واذا اخذ ربك من بنى أدم من ظهورهم ذريتخم فاخبر انه خاطبهم وهم غير موجودين الا بوجوده لهم اذا كانوا واجدين للحق فى عين وجودهم لانفسهم وكان الحق بالحق فى ذلك موجود قال الاستاد اخبر بهذه الأية عن سابق عهده وصادق عقده تاكيده وده بتعريف عبده وفى معناه انشدوا
سقيا لليلى والليالى التى كنا بليلى يلتقى فيها
افديك فى ايام دهرى كلها يفدين اياما عرفتك فيها
معهم فى الخطاب لكنهم فرقهم فى الحال فطائفة خطابهم بوصف --- فعرفهم نفس ما خاطبهم وفرقة ابقاهم فى اواطن الغيبة فاقصاهم عن نعت العرفان وحجبهم ويقال لو --- لاطفهم فى عين ما كاشفهم فاقرا بنعت التوحيد وأخرون ابعدهم فى نفس ما اشهدهم فاقروا من راس الجحود ويقال تجلى القلوب قوم فتولى تعريفهم فقالوا بلى عن حاصل اليقين وتعزز على الأخرين فاثبتهم فى اوطان الحجة فقالوا بلى عن ظن وتحمين ويقال جمع المؤمنين فى السماع ولكن غائر بيهم فى الربت فجذب قلوب قوم الى الاقرار بما اطمعها فيه من المبار وانطق أخرين بصدق الاقرار بما اشهده من العيان كاشفهم به من الاسرار ويقال فرقة ردهم الى الهيبة فها مواد فرقته لاطفهم بالقربة فاستقاموا ويقال كاشف قوما فى حال الخطاب بجماله فطوحهم فى هيجان حبه فاسكنت محابهم فى كوامن اسرارهم فاذا سمعوا اليوم سماعا تجدد لهم تلك الاحوال والانزعاج الذى يظهر فيهم لتذكروا ما سلف لهم من العهد المتقدم.