خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَىٰ عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ
٥٢
هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ ٱلَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَآءَ فَيَشْفَعُواْ لَنَآ أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ ٱلَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ
٥٣
إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ يُغْشِي ٱلَّيلَ ٱلنَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ وَٱلنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ ٱلْخَلْقُ وَٱلأَمْرُ تَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ
٥٤
ٱدْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ
٥٥
وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَٱدْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ ٱلْمُحْسِنِينَ
٥٦
-الأعراف

عرائس البيان في حقائق القرآن

{ وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَىٰ عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } ذكر سبحانه امتنانه على المؤمنين بما خاطبهم بمجموع كلامه للقديم الذى ابناما عنده لهم من مدخور السعادات وسنى الكرامات وعظميم الدرجات ودعاهم به الى اعمال زكية واحوال شريفة مقامات عزيزة وعرفهم به اسمائه ونعوته وصافته وذاته تعالى وافعاله فى انتظام صنايعه واعلام قدرته ويدلهم به الى معرفة كل صفة من صفاته القديمة التى معرفتها معرفة ذاته تعالى عرف نفسه به للعارفين وفتح بمفاتيحيه كنوز غيبة للموحدين وكشف قناع الجهل بانواره عن قلوب الغافلين والعالمين وجذب بلطائفه قلوب المحبين والمشتاقين والعاشقين الى مشاهدته ووصله ورتب فيه مقامات العبودية ومعارف الربوبية وذلك صدر منه بسابق علمه وقديم حكمه ويهدى به الى نفسه قلوب المؤمنين به وذلك منه رحمة كافية للعموم والخصوص وكان رحمته سبقت فى الازل خاطبه سبحانه بنعت هدايته به اليه واى نعمة اعظم من اتراله كلامه الينا الذى يعتقنا من رق النفوسية ويخلصنا من شهوات الشيطانية ويهدينا بنور الى بنور الى انوار الربانية والحمد لله الذى امنن علينا بفواتح انعامه ولطائف اكرامه واصطفانا بخطابه وجعل استماعنا محل استماع كلاامه وقلوبنا واوطان بيانه واسرارنا اوعية انوار سطانه وارواحنا خزائن عرفانه وعقولنا مشاهد برهانه وابداننا مساقط شرايعه من قرانه قال بعضهم انزل الله كتابا فيه هدى من الضلالة ورحمة من العذاب وفرقانا بينا لعدو الولى لا يعلم مانيها الا المؤمنون بمتشابهه والعاملون باحكامه والنالون به أناء الليل والنهار فيه الفلاح والنجارة لمن رام النجاة لا يهلك عليه الا هالك ولا ينجوا به الا بأجى قال الله تعالى ولقد جئناهم الأية ولما عرف نفسه بخطابه للعارفين عرف نفسه ايضا لهم بافعاله النورية وبرهانه القدرتية وأياته الصفاتية واعلامه الذاتية بقوله سبحانه { إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ } نبه عن عين الالوهية صريحا حين قال ابن ربكم الله خاطبهم التربية لجذب قلبوبهم بالمحبة ثم اشار اليهم بالالوهية لفناء الحدث فى القدم ثم صرفهم من المحو الى الصحو ومن الحضور الى الغيبة بقوله الذى اشارة وان ربكم عباة الاول للبسط والثانى للقبض ثم صرفهم من الصفات الى الافعال كما صرفهم فمن الذات الى الصفات كيلا تحرفوا فانوره الالوهية الاول خطاب القلب والثانى خطاب الروح والثالث خطاب العقل الاول قوله ان ربكم الثانى قوله الله والثالث قوله الذى ثم انزلهم من الشهود الى الشواهد وخاطبهم على قدر عقولهم حيث احالهم من القدم الى الحدث لعلمه لضعفهم عن حمل بوادى طارقات سطوات الوحدانية قال الذى خلق السموات والارض فى ستة ايام جعل الأيات مراة الصفات لاهل المشاهدات خلقها فى ستة ايام ايام الله --الله وقدره احضرها بايام مخصوصة وهى الستة وكل يوم من ايامه ظهور صفة من صفاته من مطلق القدم طلعت للعدم لكون الحدث وهذه الايام الستة ظهور ست صفات من صفاته اولها العلم والثانى القدرة والثالث السمع والرابع البصر والخامس الكلام والسادس الارادة كلمت الاشياء بظهور انوار الصفات الستة ولما اتمها صارت الحدثان كجسد بلا روح فتجلى من صفته السابعة وهى حياته القديمة الازلية الباقية المنزهة عن همهمه الانفاس فقامت الاشياء بصفاته القائمة بذاته ويكون الابد لحياتها بروح حياته المقدسة الاتصال والانفصال وفى ادق الاشارة السموات والروح والارض الاشباح والعرش القلوب بدأ بكشف الصفات للارواح وبدأ بكشف الافعال الاشباح ثم بدأ بكشف الذات للقلوب لان مناظر القلوب محل الغيوب والغيوب من القلوب محل تجلى استواء القدم استوى قهر القدم بنعت الظهور للعدم ثم استوى تجلى الصفات على الافعال استوى تجلى الذات على الصفات فاستوى بنفسه لنفسه على نفسه المنزهة عن المباشرة الحدثان والاتصال والانفصال عن الاكوان بالاكوان الاستواء صفة ذاتية خارجة عن مطالعة الخليقة خص السموات والارض بتجلى الصفات وخص العرش بتجلى الذات السموات والارض جسد العالم والعرش قلب العالم والكرسى دماغ العالم خص الجميع بالافعال والصفات وخص العرش بظهور الذات لانه قلب الكل وهو غيب الرحمن وعلمه وحكمته رأيته فى المكاشفات انوار شعشعانية بلا جسم ولا مكان والصورة يتلألأ فسألت عن ذلك فقيل لى هذا عالم يسمى عرشا قيل فى التفسير عرشه علمه كقول ابن عبسا فى تفسير قوله وسع كرسية اى وسع علمه ثم جرع الى ذكرا الافعال لبقاء الارواح والاشباح بقوله { يُغْشِي ٱلْلَّيْلَ ٱلنَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ وَٱلنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ } بدأ بذكر الليل لانه ستر الاولياء وحجال الاصفياء وملجأ النقباء وخيام عرائس اهل المناجاة بلبس القبض البسط لانها ضدان ويقبض ويبسط الليل قبض العارفين والنهار بسط المشاهدين يكون احدهما طالب الأخرة لان وصفه لحضور والغيبة من خفاء التجلى وبدأ به الليل النفس والنهار القلب والشمس الروح والقمر العقل والنجوم المعلوم مسخرات فى سماء الملكوت وهو الجبروت بامره بقدرة الكاملة وعزته الشاملة ومحبة القديمة التى تؤلف ارواح القدسية الى مشاهد الازلية ثم ان الله سبحانه اضاف الكل الى امر مشيته ونفاذ قدرته واخراج الجميع من تكلف الحدثان وعلمه الاكوان بقوله { أَلاَ لَهُ ٱلْخَلْقُ وَٱلأَمْرُ } الخلق فعله والامر صفته الخلق فى الاشباح والامر والارواح بنور الخلق سبب العقول وحيرها من ادراك كنه الأيات ويتجلى الامر جذب القلوب الى عالم الصفات وعشقها بجمال الذات ثم اثنى على نفسه حيث تقصر الافهام عن وصف صفاته وتقصر الانس عن البلوغ الى مدح ذاته بقوله { تَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } اى تقدس عن كل ما يجرى على خواطر خلقه رب العالمين رب الجميع بظهور صفته فى خلقه وربى العارفين بظهور ذاته فى صفته قال الاستاد فى هذه الأية تعرف الى الخلق الظاهر الدالة على قدرته وهى افعاله وتعرف الى الخواص منهم بأياته الدالة على نظرته التى هى افضاله واقباله وظهر لاسرار خواص الخاص بنعوته الذاتية التى هى جماله وجلاله فشان بين قوم وبين قوم قال الواسطى فى قوله الا له الخلق والامر اذا كان له فمنه وبه واليه لان لامر صفة الامر ولما عرفهم اعلام الربوبية امرهم بخالص العبودية ودابهم فيما باحسن التاديب بقوله { ٱدْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً } اذا عرفتم نعوت الكبرياء وجلال العظمة وعز القدم والبقاء كونوا فى رؤية هذه الصفات عند احتياجكم الينا بنعت الفناء بحيث لا يطلع على اسراركم نفوسكم فان دعوة المضطر تقع على سماع الغيوب حين هاجت بوصف اللطف من لسان القلوب وان اصفى الوقت فى التضرع ودعوة الخفية وذكر الخفى الذى وصفه عليه السلام بالخيرة حيث قال خير الذكر الخفى قال ابو عثمان التضرع فى الدعاء ان لا تقدم اليه افعالك وصلواتك وصيامك وقراءتك ثم تدعوا على اثره انما التضرع ان تقدم افتقارك وعجزك وضروتتك وفاقتك وقلة حيلتك ثم تدعو بلا علة ولا سبب فترفع دعاءك وقال الواسطى تضرعا بذل العبودية وخلع الاستطالة خفية اى اخف ذكرى صيانة عن غيرى الا تراه بقول خير الذكر الخفى وافهم ان للداء مقامات فبعضهم يدعوه بلسان الظاهر وبعضهم يدعوه بلسان الباطن وبعضهم يدعوه باشارة العقل وبعهضم يدعوه باشارة القلب وبعضهم يدعوه باشارة الروح وبعضهم يدعوه باشارة السر نعت اهل الظاهر ونعت اهل الباطن الافتقار والتخشع ونعت اهل العقل الفكر ونعت اهلا لقلب الذكر ونعت اهل الروح الشوق ونعت اهل السر الفناء يدعونه بالاذن ولا يكون الاذن فى الدعاء الا فى مقامين مقام القبض ومقام البسط الدعاء فى مقام القبض بنعت العبودية والدعاء فى مقام البسط الحكم والانبساط من ادراك مباشرة صولة الربوبية ولا بد للعارفين من هذهين المقامين والدعاء على احوال شتى دعاء اهل البلاء لكشف الهموم ودعاء اهل النعمة لكشف الوجود ودعاء المحبين لتسلى القلوب ودعاء المشتاقين للبلوغ الى الوصول ودعاء العاشقين لنيل المامول ودعاء العارفين لودان البقاء ودعاء الموحدين لمحوهم فى الفناء وفيه انس المستانسين وتضرع العارفين وبهاء المحبين وزيادة قرة عيون الموحدين ما اطيب الحانهم فى السجود لكشف مشاهدة الموجود وما احلى روح طيب مناجاتهم بالعبرات وحركات ضمائرهم بالزفرات قال الاستاد ما اخلص عبد فى دعائه الاروح الله سبحانه فى الوقت قلبه ثم حذرهم عن الرجوع من الاعلى الادنى ومن متابعة الحق الى متابعة النفس من تخريب ارض القلب بمحاة الهوى بعد اصلاحها بصفاء المراقبة والمشاهدة بقوله { وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا } قال الاستاد مهال النفس عن المجاهدات والرجوع الى الحظوظ بعد القيام بالحقوق فساد الارض بعد اصلاحها فيه ثم زاد سبحانه فى اداب الدعاء وقرن بالتواضع والاخلاص فيه مقام الخوف والرجاء بقوله { وَٱدْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً } اى ادعوه بوصف الاجلال فى رؤية جلاله وبنعت البسط فى رؤية جماله فان حقيقة الدعاء فى الشهود --- فى العبودية لمعرفة الربوبية والسرور من رجاء الوصول الى المقصود وايضا وادعوه خوفا من اطلاعه على جريان كل مامول سواه فى القلب اى خافوا من طيران ذكر الحدث فى رؤية القدم وطمعا معناه الطمع فى مقام من قربة اشرف من مقام الدعاء وسيلة فاذا حصل الوصول انقطع الوسيلة وايضا خوفا من رد الدعاء وطمعا فى استجابة الدعاء بين تعالى ان من كان هذا وصفه يكون من المحسنين الذين يقربون به منه بقوله { إِنَّ رَحْمَتَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ ٱلْمُحْسِنِينَ } قيل فى قوله وادعوه خوفا وطمعا اى خوفا من عقابه وطمعا فى ثوابه وقيل خوفا من بعده وطمعا فى قرية وقيل خوفا من اعراضه فى اقباله وقيل خوفا منه وطمعا فيه قيل المحسن من كان حاضرا بقلبه غيرلاه عن ربه ولاناس لحقه ثم وصف الله نفسه بانشائه مبشرات قربه من بطنان غيبه لوصول انسائم ورد مشاهدته الى مشام ارواح عاشقيه وافئدة مشتاقيه واسرار واصله وقلوب محبته والباب مريدية.