خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

لَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ ٱلأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ
٢٥
ثُمَّ أَنَزلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَذٰلِكَ جَزَآءُ ٱلْكَافِرِينَ
٢٦
ثُمَّ يَتُوبُ ٱللَّهُ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
٢٧
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّمَا ٱلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـٰذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَآءَ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
٢٨
-التوبة

عرائس البيان في حقائق القرآن

قوله تعالى { لَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً } اخبر سبحانه ان الاولياء والاصفياء لا يخلوا قلوبهم من قوارع خطرات == مع شرفهم بالولاية واصطفائيته بالكرامة ليعلم الحق ان ولايتهم غير === بالاعمال وهذا تعريفه تعالى مواضع نعمه لهم واجتباءه لهم منازل الرفيعة فى الازل ومعنى الاية اى حيث تبريتم من حولكم وقوتكم وافتقرتم الىّ وفررتم منى الى نصرتكم على عدوكم بحولى وقوتى حين شاهدتم عزة ازليتى وجلال ابديتى وحين نظرتم الى حولكم وقوتكم واحتجبتم بها عن مشاهدة قدرتى === تركتكم مع انفسكم قال جعفر استجلاب النصر فى شئ واحد وهو الذلة ولافتقار والعجز لقوله لقد نصركم الله فى مواطن كثيرة لم تقوموا فيها بانفسكم ولم تشهدوا قوتكم وكثرتكم وعلمتم ان النصر لا يوجد بالقوة وان الله هو الناصر المعين ومتى علم العبد حقيقة ضعفه نصره الله وحلول الخذلان بشئ واحد وهو العجب قال الله { وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً } فلما عاينوا القدر من انفسهم دون الله رماهم الله بالهزيمة وضيق الارض عليهم { ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ } موكولين الى حولكم وقوتكم وكثرتكم فلما راى تقصيرهم بصرف ع يونهم عن مشاهدة الله الى انفسهم وطرفة عين وندموا على ذلك ورجعوا بعد الامتحان الى ساحة الرحمن البسهم الله انوار قربه وكساهم سنا قدرته وهيبته ولذء قلوبهم بحسن عنايته حتى قويت بها فى احتمالها اثقال عبوديته وبين ذلك بقوله سبحانه { ثُمَّ أَنَزلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ } والاشارة فيه ان قلب نبيه صلى الله عليه وسلم كان يخل ايضاً من شواهد امتحانه لان الحق حق والخلق خلق ولذلك قال انزل الله سكينته على رسوله كان عليه الصلاة والسّلام فى مثل ذلك يقول انه ليعان على قلبى وانى لاستغفر الله فى اليوم سبعين مرة سكينته زيادة انوار كشف مشاهدة الله له حين خاف من مكر الازل فاراه الله اصطفائيته الازلية وأمَّنه من مكره لانه ينظر من الحق الى نفسه طرفة عين لكن اذا غاب فى بحار القدم لم ير للحد اثرا وراى الحدثان متلاشية فى قبض بطش العظمة ففرغ منه به فأواه الله منه اليه حتى سكن به عنه سكينته بالدنو حيث قال دنا فتدلى وثباته بدنو الدنو بقوله فكان قاب قوسين او ادنى فلما وصفه بالمرتبة الاعلى والمشاهدة الادنى وسكينته قربة الاصفى زاد فى وصفه حين لم ير فى مشاهدة القدم ما خرج من العدم بقوله ما زاغ البصر وما طغى سكينته كان من رؤية الذات وسكينة المؤمنين من رؤية الصفات قال بعضهم السكينة التى انزلها الله على رسوله صلى الله عليه وسلم هى التى اظهر عليه ليل المسرى عند سدر المنتهى فما زاغ وما طغى بل السكينة اقامته مقام الدنو بحسن الادب ناظرا الى الحق مستمعاً منه مثتيابه عليه بقوله التحيات لله و السكينة التى نزلت على المؤمنين هو سكون قلوبهم الى ما ياتيهم به المصطفى صلى الله عليه وسلم من وعد ووعيد وبشارة وحكم وقيل السكينة المقام مع الله بفناء الحظوظ قال الاستاذ السكينة استحاك القلب عند جريان حكم الرب بنعت الاطمأنينة بخمود اثار البشرية بالكليّة والرضا بالبادى من الغيب من غير معارضة واختيار ويقال السكينة القرار على بساط الشهود بشواهد والتأديب باقامة صفات العبودية من غير لحوق مشقة ولا تحرك عرق بمعارضة حكم وذكرتها ونعمته بانزال الملائكة عليهم بقوله { وَأَنزَلَ جُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا } وفى لطيف الاشارة الجنود روادف اثار قوى تجلى الحق بغير اليجاب ونعت الانقطاع قال الاستاذ جنودهم بها وفود اليقين وروايد الاستبصار ثم ان الله سبحانه وصف من كان مجبولا فى الازل بسم السعادة وبقى فى حجاب النكرة يخرج بانوار سوابق حكمه من ظلمات قهره بقوله { ثُمَّ يَتُوبُ ٱللَّهُ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ } كشف لهم فاخاب عنهم من انوار معدن الغيب وهداهم بها الى محل شهود الحضرة ومن عليهم بكشف المشاهدة واوصلهم اليه بالرحمة وسترهم بوصله عن عين الفرقة وذلك قوله { وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } ما اكرم مولانا تعالى سبقت رحمته ومغفرته لعباده فى الازل مع علمه بما يبدو انهم من العصيان ولم يكن عليهم غضبا ولم يسلب منهم غفرانا سبحانه ما الطف سبحانه قال الاستاذ ردّهم من الجهل الى حقائق العلم ثم نقلهم من تلك المنازل الى مشاهد اليقين ثم رقاهم ان تلك الجملة بما لا فهم به ن عين الجمع ثوان الله اعلمنا بفضله ان من لم يكن خاطره مطهرا بمياه التوحيد من بحر التفريد من ادناس الوساوس ورياء الناس لا يصلح لمقام القرب ولاستيناس بقوله { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّمَا ٱلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ } بين ان من بقى فى قلبه فى عبودية خالقه نظر الى غيره والى نفسه لا يجوز ان يدنوا مجالس اوليائه فان صحبته يشوش خواطرهم وينجس بنفسه انفاسهم وحذر العارفين يضامن صحبة المخالفين لانهم عرائس الله ولا يجوز ان ينظر اليهم قال الجنيد الصوفية اهل بيت لا يدخل فيهم غيرهم والاشارة فيه ايضا ان من عكس فيه اثار قهر القدم اوقعه فى بحرية نفسه وتلك الرؤية نجاسة بقيت فى قلبه ولا تقريب بها من مواقف القدسية من عالم الملكوت والجبروت قال ابو صالح حمد من المشرك فى عمله من يحسن ظاهره لملاقات الناس ومجاورتهم ويظهر للخلق احسن ما عنده وينظر الى نفسه بعين الرضا عنها بما اظهر ليها من زينة العبادات وينجس باطنه بمخالفة ما اظهره هو الريا والشهوات وسائر المخالفات فذاك المشرك فى عبادته النجس باطنه ولا يصلح لبساط القدس الا المقدس ظاهر او باطنا سرا وعلنا لان الله تعالى قال انما المشركون نجس ومن كان نجسا فان الامكنة لا تطهره وستر الظاهر عليه لا ينظفه وقال الاستاد فقدوا طهارة الاسرار بماء التوحيد وبقوافى قذرات الظنون والاوهام تمتعوا قربان المساجد التى هى مشاهد القرب ثم ان الله سبحانه وعد العارفين بان يكسيهم كسوة فنى بقائه حتى لا يحتاجون بالنظر الى سواهم بقوله { وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ } اذا اخرجتم اهل الدنيا من بين سفير الاعلى من المقربين الذين نعوتهم الفقر وسماتهم التصوف والعبادة ويخطر على قلوبكم انقطاع مواساتهم لكم فانا اغنيكم عما سواى وارزقكم من غير وسيلة يحتجبون بها عنى قال الاستاد توقع الارفاق من الاسباب من قضايا انغلاق باب التوحيد ومن لم يفرد معبوده بالقسمة بقى فى فقر سرمد ويقال من اناج بعفوة كرم مولاه واستمطر سحاب جوده بفناء عن كل سبب وكفاه كل تعب وقضى له كل سول وادب واعطاه من غير طلب.