خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ
٢
ٱلرَّحْمـٰنِ ٱلرَّحِيمِ
٣
مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدِّينِ
٤
إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ
٥
-الفاتحة

تفسير القرآن

{ الحمد لله ربّ العالمين } إلى آخر السورة، الحمد بالفعل ولسان الحال هو ظهور الكمالات وحصول الغايات من الأشياء إذ هي أثنية فاتحة ومدح رائعة لموليها بما يستحقه. فالموجودات كلها بخصوصياتها وخواصها، وتوجهها إلى غاياتها، وإخراج كمالاتها من حيز القوّة إلى الفعل، مسبحة، حامدة، كما قال تعالى: { وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ } [الإسراء، الآية: 44]، فتسبيحها إياه تنزيهه عن الشريك وصفات النقص والعجز باستنادها إليه وحده، ودلالتها على وحدانيته وقدرته، وتحميدها إظهار كمالاتها المترتبة، ومظهريتها لتلك الصفات الجلالية والجمالية.
وخصّ بذاته بحسب مبدئيته للكل، وحافظيته ومدبريته له التي هي معنى الربوبية للعالمين، أي لكلّ ما هو علم لله يعلم به كالخاتم لما يختم به، والقالب لما يقلب فيه، وجمع جمع السلامة لاشتماله على معنى العلم أو للتغليب، وبإزاء إفاضة الخير العامّ والخاص، اي النعمة الظاهرة كالصحة والرزق. والباطنة كالمعرفة والعلم. وباعتبار منتهائيته التي هي معنى مالكية الأشياء في يوم الدين إذ لا يجزي في الحقيقة إلا المعبود الذي ينتهي إليه الملك وقت الجزاء بإثابة النعمة الباقية عن الفانية عند التجرّد عنها بالزهد وتجليات الأفعال عند انسلاخ العبد عن أفعاله، وتعويض صفاته عند المحو عن صفاته وإبقائه بذاته، وهبته له الوجود الحقاني عند فنائه فله تعالى مطلق الحمد وماهيته أزلاً وأبداً على حسب استحقاقه إياه بذاته باعتبار البداية والنهاية وما بينهما في مقام الجمع على ألسنة التفاصيل، فهو الحامد والمحمود تفصيلاً وجمعاً، والعابد والمعبود مبدأ ومنتهى.
ولما تجلى في كلامه لعباده بصفاته شاهدوه بعظمته وبهائه، وكمال قدرته وجلاله، فخاطبوه قولاً وفعلاً بتخصيص العبادة به، وطلب المعونة منه، إذ ما رأوا معبوداً غيره، ولا حول ولا قوّة لأحد إلاّ به. فلو حضروا لكانت حركاتهم وسكناتهم كلها عبادة له وبه، فكانوا على صلاتهم دائمين داعين بلسان المحبة لمشاهدتهم جماله من كل وجه على كل وجه.