{ فاسْتَجَاب له ربّه فَصَرَف عنه كيدهنّ } أي: أيده بالتأييد القدسيّ وقوّاه بالإلقاء السبوحيّ فصرف وجهه عن جناب الرجس إلى جناب القدس، ودفع عنه بذلك كيدهنّ { إنه هو السميعُ } لمناجاة القلب في مقام السرّ { العليمُ } بما ينبغي أن يفعل به عند افتقاره إليه.
{ ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه } أي: ظهر لعزيز الروح ونسوة النفس والقوى وأعوان الروح من العقل والفكر وغيرهما رأي متفق عليه من جميعها وهو ليسجننه، أي: ليتركنه في الخلوة التي هي أحب إليه. أما الروح فلقهره إياه بنور الشهود ومنعه عن تصرفاته وصفاته، وأما النفس وسائر القوى فلامتناعها عن استجذابه إليها من بعدما رأوا آيات العصمة وصدق العزيمة وعدم الميل إليها وبهره عليها بنوره وإخلاصه في الافتقار إلى الله وإلا لما خلته وشأنه في الخلوة، وأما الوهم فلانهزامه عن نوره وفراره من ظله عند التصلب في الدين والتعوّد بالحق. وأما العقل فلتنوّره بنور الهداية، وأما الفكر فلحصول سلطانه في الخلوة، والفتيان اللذان دخلا معه السجن أحدهما قوّة المحبة الروحية اللازمة له وهو شرابيّ الملك الذي يسقيه خمر العشق كما قيل في القصة: إنه كان شرابيه، والثاني: هوى النفس التي لا تفارقه أيضاً بحال، فإنّ الهوى حياة النفس الفائضة إليها منه لاستبقائها وهو خبّاز الملك الذي يدبر الأقوات في المدينة كما قيل وهما يلازمانه في الخلوة دون غيرهما. ومنام الشرابيّ في قوله: { إني أراني أعصر خمراً } اهتداء قوة المحبة إلى عصر خمر العشق من كرم معرفة القلب في نوم الغفلة عن الشهود الحقيقي ومنام الخبّاز في قوله: { إني أراني أحمل فوق رأسي خبزاً تأكل الطير منه } توجه الهوى بكليته إلى تحصيل لذات طير القوى النفسانية وحظوظها وشهواتها، وشبّهت بالطير في جذب ما تجذبه من الحظوظ لسرعة حركتها نحوه.