خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَتَرَى ٱلشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ ٱلْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ ٱلشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ ذٰلِكَ مِنْ آيَاتِ ٱللَّهِ مَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُّرْشِداً
١٧
-الكهف

تفسير القرآن

{ وترى الشمس } أي: شمس الروح { إذا طلعت } أي: ترقت بالتجرّد عن غواشي الجسم وظهرت من أفقه تميل بهم من جهة البدن وميله ومحبته إلى جهة اليمين أي: جانب عالم القدس وطريق أعمال البرّ من الخيرات والفضائل والحسنات والطاعات. وسيرة الأبرار، فإن الأبرار هم أصحاب اليمين. { وإذا غربت } أي: هوت في الجسم واحتجبت به، واختفت في ظلماته وغواشيه، وخمد نورها، تقطعهم وتفارقهم كائنين في جهة الشمال، أي: جانب النفس وطريق أعمال السوء فينهمكون في المعاصي والسيئات والشرور والرذائل. وسيرة الفجار الذين هم أصحاب الشمال { وهم في فجوة منه } أي: في مجال متسع من بدنهم هو مقام النفس والطبيعة، فإن فيه متفسحاً لا يصيبهم فيه نور الروح. واعلم أن الوجه الذي يلي الروح من القلب موضع منور بنور الروح يسمى العقل وهو الباعث على الخير والمطرق لإلهام الملك والوجه الذي يلي النفس منه مظلم بظلمة صفاتها يسمى الصدر وهو محل وسوسة الشيطان كما قال: { { ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ } [الناس، الآية: 5]، فإذا تحرك الروح وأقبل القلب بوجهه إليه تنور وتقوى بالقوة العقلية الباعثة المشوقة إلى الكمال ومال إلى الخير والطاعة، وإذا تحركت النفس وأقبل القلب بوجهه إليها تكدر واحتجب عن نور الروح وأظلم العقل ومال إلى الشر والمعصية. وفي هاتين الحالتين تطرق الملك للإلهام والشيطان للوسواس وخلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً. وفي الآية لطيفة هي: أنه استعمل في الميل إلى الخير الازورار عن الكهف، وفي الميل إلى الشر قرضهم اي: قطعهم، وذلك أن الروح يوافق القلب في طريق الخبر ويأمره به ويوافقه معرضاً عن جانب البدن وموافقاته ولا يوافقه في طريق الشر بل يقطعه ويفارقه وهو منغمس في ظلمات النفس وصفاتها الحاجبة إياه عن النور وهو إشارة إلى تلوينهم في السلوك، فإن السالك ما لم يصل إلى مقام التمكين وبقي في التلوين قد تظهر عليه النفس وصفاته فيحتجب عن نور الروح ثم يرجع ذلك أي: طلوع نور الروح واختفاؤه من آيات الله التي يستدل بها ويتوصل منها إليه وإلى هدايته. { من يهد الله } بإيصاله إلى مقام المشاهدة والتمكين فيها { فهو المهتد } بالحقيقة لا غير { ومن يضلل } بحجبه عن نور وجهه فلا هادي له ولا مرشد, أو من يهد الله إليهم وإلى حالهم بالحقيقة ومن يضلله يحجبه عن حالهم.