{ وإذ قال موسى لفتاه } ظاهره على ما ذكر في القصص ولا سبيل إلى إنكار المعجزات. وأما باطنه فأن يقال: وإذ قال موسى القلب لفتى النفس وقت التعلق بالبدن: { لا أبرح } أي: لا أنفك عن السير والمسافرة، أو لا أزال أسير { حتى أبلغ مجمع البحرين } أي: ملتقى العالمين: عالم الروح وعالم الجسم، وهما العذب والأجاج في صورة الإنسانية ومقام القلب { أو أمضي حقباً } أي: أسير مدة طويلة.
{ فلما بلغا مجمع بينهما } في الصورة الحاضرة الجامعة { نسيا حوتهما } وهو الحوت الذي ابتلع ذا النون عليه السلام بالنوع لا بالشخص، لأن غداءهما كان قبل الوصول إلى هذه الصورة في الخارج من ذلك الحوت الذي أمر بتزوده في السفر وقت العزيمة { فاتّخذ سبيله } في بحر الجسد حيّاً كما كان أولاً { سرباً } نقباً واسعاً كما قيل: بقي طريقه في البحر منفرجاً، لم ينضم عليه البحر.
{ فلما جاوزا } مكان مفارقة الحوت وألقي على موسى النصب والجوع، ولم ينصب في السفر ولا جاع قبل ذلك على ما حكي، تذكر الحوت والاغتذاء منه وطلب الغداء من فتاه وإنما قال: { آتنا غداءنا } لأن حاله ذلك نهاراً بالنسبة إلى ما قبله في الرحم { لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً } هو نصب الولادة ومشقتها.
{ قال أرأيت } ما عراني { إذ أوينا إلى الصخرة } أي: النحر للارتضاع { فإني نسيت الحوت } لاستغنائنا عنه { وما أنسانيه إلاّ الشيطان أن أذكره } أي: وما أنساني أن أذكره إلا الشيطان على إبدال أن أذكره من الضمير، وذلك لأن موسى كان راقداً حين اتخذ الحوت سبيله في البحر على ما قيل. وفتى النفس يقظان، فأنسى شيطان الوهم الذي زيّن الشجرة لآدم ذكر النفس الحوت لموسى لكون الحال حال ذهول والسبيل المتعجب منه هو السرب المذكور.