خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

جَنَّاتِ عَدْنٍ ٱلَّتِي وَعَدَ ٱلرَّحْمَـٰنُ عِبَادَهُ بِٱلْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّاً
٦١
لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً إِلاَّ سَلاَماً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً
٦٢
تِلْكَ ٱلْجَنَّةُ ٱلَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيّاً
٦٣
وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذٰلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً
٦٤
رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَٱعْبُدْهُ وَٱصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً
٦٥
-مريم

تفسير القرآن

{ جنات عدن } مرتبة بحسب درجاتهم في مقام النفس والقلب والروح { التي وعد الرحمن } المفيض بجلائل النعم وأصولها وعمومها { عباده بالغيب } في حالة كونهم غائبين عنها { إلا سلاماً } أي: ما يسلمهم من النقائص ويجردهم عن المواد من المعارف والحكم { ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيّا } أي: دائماً أو بكرة في جنة القلب وقت ظهور نور شمس الروح، وعشيّاً في جنة النفس وقت غروبه.
{ تلك الجنة } المطلقة التي تقع على واحدة منها { التي نورث من عبادنا من كان تقيّاً } مطلقاً بحسب تقواه، فإن اتقى الرذائل والمعاصي نورثه جنة النفس أي جنة الآثار، وإن اتقى أفعاله بالتوكل فله جنة القلب وحضور تجليات الأفعال، وإن اتقى صفاته في مقام القلب فله جنة الصفات، وإن اتقى ذاته ووجوده بالفناء في الله فله جنة الذات.
{ وما نتنزل إلا بأمر ربّك } تنزّل الملائكة واتصال النفس بالملأ الأعلى إنما يكون بأمرين: استعداد أصلي وصفاء فطري يناسب به جوهر الروح العالم الأعلى، واستعداد حاليّ بالتصفية والتزكية ولا يكفي مجرد حصولها فيه، بل المعتبر هو الملائكة: ألا ترى إلى قوله
{ إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ } [فصلت، الآية:30] كيف رتّب التنزل على الاستقامة التي هي التمكين الدال على الملكة. وإلى قوله في تنزّل الشياطين: { تَنَزَّلُ عَلَىٰ كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ } [الشعراء، الآية: 222] كيف أورد في حصول استعداد تنزّلهم بناء المبالغة الدال على الملكة والدوام فكذا لا تتنزل الملائكة إلا على الصدّيق الخير. وهذا الاستعداد الثاني إذا اجتمع مع الأول كان علامة إذن الحق وأمره، إذ الفيض عام، تام، غير منقطع، فحيث تأخر إنما تأخر لعدم الاستعداد، فلذا لما استبطأ الوحي وقلّ صبره نزلت، أي: وما نتنزّل باختيارنا بل باختياره وأمره ليس إلا.
{ له ما بين أيدينا } من أطوار الجبروت التي فوقنا وتتقدّم أطوارنا التي وجوهنا إليها ولا يحيط علمنا بها { وما خلفنا } من أطوار الملكوت الأرضية التي دون أطوارنا { وما بين ذلك } من الأطوار الملكوتية التي نحن فيها، كلهم في ملكة قهره وتحت سلطنة أمره وإحاطة علمه { وما كان ربّك نسيّا } ينسى شيئاً يستعدّ لكمال فلا يفيض عليه أو تاركاً لمستحق بدون حقه بل يحيط بكل الاستعدادات علماً ويفيض الكمال عليها وينزل مقتضاها مع الحصول دفعة فإن تأخر الوحي فإنما كان من جهتك لا من جهته هو { ربّ السموات والأرض وما بينهما } يرب كلاً منهما باسم يخصه ويدبره ويفيض ما يقتضيه حاله عليه فيرب الكل بجميع أسمائه { فاعبده } بعبادتك التي يقتضيها حالك حتى تستعدّ لقبول الفيض ونزول الوحي ولا يكفي وجود العبادة بتهيئة الاستعداد بالتصفية مرة أو مرتين بل الدوام على ذلك معتبر، فدم على ذلك الصفاء الموجب للقبول { واصطبر } لعبادته بالتوجه إليه على الدوام { هل تعلم له سميّاً } مثلا، فتلتفت إليه وتقبل بوجهك نحوه فيفيض عليك مطلوبك.