{يسئلُونَك عن الشهر الحَرَام قِتال فيه} يسألونك عن جهاد النفس وأعوانها، والشيطان وجنوده في وقت التوجه والسلوك إلى الحق وجمعية الباطن الحرام فيه حركة السرّ {قُلْ} الجهاد في ذلك الوقت أمر عظيم شاق، وصرف وجوهكم عن سبيل الله، ومقام السر، ومحل الحضور احتجاب عن الحق، وإخراج أهل القلب الذين هم القوى الروحانية عن مقارّهم أعظم وأكبر عند الله، وفتنة الشرك والكفر وبلاؤهما عليكم أشدّ من قتلكم إياهم بسيف الرياضة. ولا تزال تلك القوى النفسانية والأهواء الشيطانية يقاتلونكم بذبكم عن دينكم ومقصدكم، ودعوتكم إلى دين الهوى والشيطان {حتى يردّوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدِدْ منكم عن دينه} باتباعهم {فأولئك حَبطت أعمالهم} التي عملوها في الاستسلام والانقياد {وأولئك أصحَابُ} نار الحجاب والتعذيب {هم فيها خالِدُون}.
{إن الذين آمَنوا} يقيناً {وهاجَرُوا} أوطان النفس ومألوفات الهوى {وجاهَدُوا في سبيلِ الله} وجنود الشيطان والنفس الأمّارة {أولئك يَرْجون رحمة الله} تجليات الصفات وأنوار المشاهدة. {يسئلونكَ عن} خمر الهوى وحبّ الدنيا وميسر احتيال النفس في جدب الحظ {قل فيهما إثْمٌ} الحجاب والبعد {ومنافعٌ للناس} في باب المعاش وتحصيل اللذّة النفسانية، والفرح بالذهول عن الهيئات الرديئة المشوّشة والهموم المكدّرة. {الم تَرَ إلى الذين خرجُوا من دِيَارهم} أي: أوطانهم المألوفة ومقارّ نفوسهم المعهودة ومقاماتهم ومراتبهم من الدنيا وما ركنوا إليها بدواعي الهوى، وهم قوم كثير {حذر الموت} الجهل والانقطاع عن الحياة الحقيقية والوقوع في المهاوي الطبيعية {فقال لهم الله مُوتوا} أي: أمرهم بالموت الإرادي، أو أماتهم عن ذواتهم بالتجلي الذاتي، حتى فنوا في الوحدة {ثم أحياهم} بالحياة الحقيقية العلمية، أو به بالوجود الموهوب الحقاني، والبقاء بعد الفناء. ولا يبعد أن يريد به ما أراد من قصة عزير، أي: خرجوا هاربين من الموت الطبيعي فأماتهم الله {ثم أحياهم} بتعلق أرواحهم بأبدان من جنس أبدانهم ليحصلوا بها كمالهم.
{وقاتِلُوا في سبيلِ الله} النفس والشيطان على الأول والثاني. وعلى الثالث لا تخافوا من الموت في مقاتلة الأعداء، فإن الهرب منه لا ينفع كما لم ينفع أولئك. والله يحييكم كما أحياهم {قرضاً حسناً} هو بذل النفس بالجهاد، أو بذل المال بالإيثار {والله يقبض ويبسط} أي: هو مع معاملتكم في القبض والبسط، فإنكم بأوصافكم تستنزلون أوصافه. إن تبخلوا بما في أيديكم يضيّق عليكم ويقتر، وإن تجودوا يوسع عليكم بحسب جودكم كما ورد في الحديث: "تنزل المعونة على قدر المؤونة" .