{ وإذ قَال إبرَاهيم رب أرِني كيفَ تُحْيي المَوْتى } أي: بلغني إلى مقام العيان من مقام العلم الإيقاني. ولهذا قرر إيمانه بهمزة الاستفهام التقريرية.
فـ { قال أوَ لَمْ تُؤْمِن } أي: أو لم تعلم ذلك يقيناً؟، وأجاب إبراهيم عليه السلام بقوله: { بَلى ولكن ليطمئن قلبي } أي: ليسكن وتحصل طمأنينته بالمعاينة، فإنّ عين اليقين إنما يوجب الطمأنينة لا علمه { قال فَخُذ أربعَة منَ الطيْر } أي: القوى الأربعة التي تمنعه عن مقام العيان وشهود الحياة الحقيقية. وقيل: كانت طاووساً وديكاً وغراباً وحمامة. وفي رواية بطّة، فالطاووس هو العجب، والديك الشهوة، والغراب الحرص، والحمامة حبّ الدنيا لتألفها وكرها وبرجها. والظاهر أنها بطة فتكون إشارة إلى الغالب عليها { فصرهنّ إليكَ } أي: أملهنّ واضممهنّ إليك بضبطها ومنعها عن الخروج إلى طلب لذاتها والنزوع إلى مألوفاتها. وقيل: أمر بأن يذبحها وينتف ريشها ويخلط لحومها ودماءها بالدق ويحفظ رؤوسها عنده، أي: يمنعها عن أفعالها ويزيل هيئاتها عن النفس، ويقمع دواعيها وطبائعها وعاداتها بالرياضة، ويبقي أصولها فيه.
{ ثم اجْعَل على كلّ جَبَل منهنّ جزءاً } أي: من الجبال التي بحضرتك، وهي العناصر الأربعة التي هي أركان بدنه، أي: اقمعها وأمتها حتى لا يبقى إلا أصولها المركوزة في وجودك وموادّها المعدّة في طبائع العناصر التي فيك. كانت الجبال سبعة، فعلى هذا يشير بها إلى الأعضاء السبعة التي هي أجزاء البدن { ثم ادْعهنّ } أي: أنها إذا أنت حييت بحياتها كانت غير طيعة مستولية عليك، وحشية ممتنعة عن قبول أمرك، فإذا قتلتها كنت حياً بالحياة الحقيقية الموهوبة بعد الفناء والمحو. فتصير هي حيّة بحياتك لا بحياتها، حياة النفس مطيعة لك منقادة لأمرك فإذا دعوتها { يأتينك سَعْياً } { واعْلَم أن الله عزِيزٌ } غالب على قهر النفوس { حكيمٌ } لا يقهرها إلا بحكمة. ويمكن حمله على حشر الوحوش والطيور، وعلى هذا فيكون جعل أجزائها على الجبال تغذية الجسم بها ودعاؤه وإتيانه إليه ساعية توجهها إلى الإنسان بعد النشور.