خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ ٱلثَّرَىٰ
٦
وَإِن تَجْهَرْ بِٱلْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ ٱلسِّرَّ وَأَخْفَى
٧
ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ
٨
وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ
٩
إِذْ رَأَى نَاراً فَقَالَ لأَهْلِهِ ٱمْكُثُوۤاْ إِنِّيۤ آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّيۤ آتِيكُمْ مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى ٱلنَّارِ هُدًى
١٠
فَلَمَّآ أَتَاهَا نُودِيَ يٰمُوسَىٰ
١١
إِنِّيۤ أَنَاْ رَبُّكَ فَٱخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِٱلْوَادِ ٱلْمُقَدَّسِ طُوًى
١٢
وَأَنَا ٱخْتَرْتُكَ فَٱسْتَمِعْ لِمَا يُوحَىۤ
١٣
-طه

تفسير القرآن

{ له ما في السموات } إلى قوله: { وما تحت الثرى } بيان لشمول قهره وملكته للكل، أي: كلها تحت ملكته وقهره وسلطنته وتأثيره لا توجد ولا تتحرك ولا تسكن ولا تتغير ولا تثبت إلا بأمره وكذلك فنيت بالكلية مقهورة بوحدانيته وفناء قهاريته لا تسمع ولا تبصر ولا تبطش ولا تمشي إلا به وبأمره.
{ وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السرّ وأخفى } بيان لكمال لطفه أي: علمه نافذ في الكل يعلم ظواهرها وبواطنها والسر وسر السر، فكذلك إن تجهر وإن تخفت فيعلمه بجهر وبخفت. ولما كانت الصفات المذكورة هي الأمهات التي لا صفة إلا تحت شمولها ولا اسم إلا كان مندرجاً في هذه الأسماء المذكورة ولم تتكثر الذات بها، قال: { الله } أي: ذلك المنزل الموصوف بهذه الصفات هو الله { لا إله إلا هو } لم تتكثر ذاته الأحدية وحقيقة هويته بها ولم يتعدّد، فهو هو في الأبد كما كان في الأزل لا هو إلا هو ولا موجود سواه باعتبار واحديته ومصدريته لما ذكر { له الأسماء الحسنى } التي هي ذاته مع اعتبار تعيينات الصفات { إذ رأى ناراً } هي روح القدس التي ينقدح منها النور في النفوس الإنسانية رأها باكتحال عين بصيرته بنور الهداية { فقال لأهله } القوى النفسانية { امكثوا } اسكنوا ولا تتحرّكوا إذ السير إنما يصير إلى العالم القدسي ويتصل به عند هذه القوى البشرية من الحواس الظاهرة والباطنة الشاغلة لها { إني آنست ناراً } أي: رأيت ناراً { لعلي آتيكم منها بقبس } أي: هيئة نورية اتصالية ينتفع بها كلكم فيتنوّر وتصير ذاته فضيلة { أو أجد على النار } من يهديني بالعلم والمعرفة الموجب للهداية إلى الحق أي: اكتسب بالاتصال بها الهيئة النورية أو الصور العلمية { فلما أتاها } أي: اتصل بها { نودي } من وراء الحجب النارية التي هي سرادقات العزة والجلال المحتجبة بها الحضرة الإلهية { يا موسى إني أنا ربّك } محتجباً بالصورة النارية التي هي أحد أستار جلالي تجلياً فيها { فاخلع نعليك } أي: نفسك وبدنك أو الكونين لأنه إذا تجرّد عنهما فقد تجرّد عن الكونين أي: كما تجرّدت بروحك وسرّك عن صفاتهما وهيئاتهما حتى اتصلت بروح القدس وتجرّد بقلبك وصدرك عنهما بقطع العلاقة الكلية ومحو الآثار والفناء عن الصفات والأفعال. وإنما سماهما نعلين ولم يسمهما ثوبين لأنه لو لم يتجرّد عن ملابسهما لم يتصل بعالم القدس والحال حال الاتصال، وإنما أمره بالانقطاع إليه بالكلية كما قال:
{ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً } [المزمل، الآية:8] فكأنه بقيت علاقته معهما والتعلق بهما يسوّخ قدمه التي هي الجهة السفلية من القلب المسماة بالصدر، فهما بعد التوجه الروحي والسري نحو القدس، فأمره بالقطع عنهما في مقام الروح، ولهذا علل وجوب الخلع بقوله: { إنك بالواد المقدّس طوىً } أي: عالم الروح المنزّه عن آثار التعلق وهيئات اللواحق والعلائق المادية المسمى طوى، لطيّ أطوار الملكوت وأجرام السموات والأرضين تحته. ولقد صدق من قال: أمر بخلعهما لكونهما من جلد حمار ميت غير مدبوغ. وقيل: لما نودي وسوس إليه الشيطان: إنك تنادى من شيطان! فقال: أفرق به، إني أسمع من جميع الجهات الست بجميع أعضائي ولا يكون ذلك إلا بنداء الرحمن.
{ وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى } هذا وعد بالاصطفاء الذي كان بعد التجلي التام الذاتي الذي جعل جبل وجوده دكّاً بالفناء فيه بالاندكاك وخروره صعقاً عند إفاقته بالوجود الحقاني كما قال تعالى:
{ فَلَمَّآ أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُؤْمِنِينَ قَالَ يٰمُوسَىٰ إِنِّي ٱصْطَفَيْتُكَ عَلَى ٱلنَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي } [الأعراف، الآيات:143 - 144]، وهذا التجلي هو تجلي الصفات قبل تجلي الذات، ولهذا أرسله ولم يستنبئه بالوحي هنا، وأمره بالرياضة والحضور والمراقبة ووعده وقوع القيامة الكبرى عن قريب. فهذا الاختيار قريب من الاجتباء الأصلي المشار إليه بقوله: { ثُمَّ ٱجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ } [طه، الآية:122] متوسط بينه وبين الاصطفاء.