خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱلْحَيِّ ٱلَّذِي لاَ يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَىٰ بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً
٥٨
ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ ٱلرَّحْمَـٰنُ فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً
٥٩
وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱسْجُدُواْ لِلرَّحْمَـٰنِ قَالُواْ وَمَا ٱلرَّحْمَـٰنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُوراً
٦٠
-الفرقان

تفسير القرآن

{ وتوكل على الحيّ الذي لا يموت } أي: شاهد موت الكل وعدم حراكهم بذواتهم، كما قال: { إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيِّتُونَ } [الزمر، الآية:30] فإنهم لا يتحركون إلا بدواع أوجدها الله تعالى فيهم بفناء أفعالك وأفعال الكل في أفعال الحق ورفع حجبها عن أفعاله إذ مقام التوكل هو الفناء في الأفعال.
وبيّن بقوله: { عَلَى ٱلْحَيِّ ٱلَّذِي لاَ يَمُوتُ } إن منشأ التوكل شهود صفة حياته التي بها يحيا كل حيّ لأن من يموت لا يكون حيّاً بالذات وبالترقي عن مقام فناء الأفعال إلى الفناء في صفة الحياة يصح مقام التوكل كما قالت المتصوفة: لا يمكن تصحيح كل مقام إلا بالترقي إلى المقام الذي فوقه، وإذا كان كل حيّ يموت إنما يحيا بحي الذات الذي حياته عين ذاته فبه يتحرك، فلا تبال بأفعالهم فإنهم لو اجتمعوا بأسرهم على أن يضّروك بشيء لم يضروك إلا بما كتب الله عليك، على ما ورد في الحديث.
{ وسبّح بحمده } ونزهه بتجرّدك عن صفاتك ومحوها في صفاته عن أن تكون لغيره صفة مستقلّة تكون مصدراً لفعله ملتبساً بحمده، أي: متّصفاً بصفاته، فإن الحمد الحقيقي هو الاتصاف بصفاته الكمالية التي هو بها حميد وذلك هو تصحيح مقام التوكل وتحقيقه بنفي الصفات التي هي مبادىء الأفعال من الغير، وإذا تجرّدت عن صفاتك بالاتصاف بصفاته شاهدت إحاطة علمه بالكل، فاكتفيت به عن سؤاله في دفع جناياتهم عنك وجزاء إيذائهم لك، وشاهدت قدرته على مجازاتهم، كما قال إبراهيم عليه السلام: "حسبي من سؤالي علمه بحالي". وذلك معنى قوله: { وكفى به بذنوب عباده خبيراً الذي خلق السموات والأرض } أي: احتجب بسموات الأرواح وأرض الأجسام { وما بينهما } من القوى في الأيام الستة التي هي الآلاف الستة من ابتداء زمان آدم إلى محمد عليهما السلام، لأن الخلق ليس إلا احتجاب الحق بالأشياء والأيام هي أيام الآخرة لا أيام الدنيا؛ إذ لم تكن الدنيا ثمة ولا الشمس والنهار
{ وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ } [الحج، الآية:47].
{ ثم استوى على } عرش القلب المحمدي في السابع الذي هو يوم الجمعة، أي: يوم اجتماع جميع الأوصاف والأسماء فيه، وذلك هو معنى الاستواء في الاستقامة بالظهور التامّ والفيض العام الذي هو الرحمة الرحمانية ولهذا جعل فاعل الاستواء اسم الرحمن دون اسم آخر إذ لا يكون الاستواء بمعنى الظهور التام إلا به، ويمكن أن تؤوّل الأيام بالشهور الستة التي يتمّ فيها خلق سموات أرواح الجنين وأرض جسده وما بينهما من القوى والاستواء بالظهور التام على عرش قلبه الذي كان على ماء النطفة قبل خلقه ما خلق في الشهر السابع الذي أنشأه فيه خلقاً آخر بحصوله إنساناً، والرحمانية بعموم فيضه المعنويّ والصوريّ من قلبه إلى جميع أجزاء وجوده { فاسئل به خبيراً } اسأل عارفاً به يخبرك بحاله واسأله في حالة كونه عالماً بكل شيء.
{ وإذا قيل لهم اسجدوا } أي: إذا أمرتهم بالفناء في جميع صفاته وطاعته بها أنكروا ولم يمتثلوا أمرك لقصور استعدادهم عن قبول هذا الفيض وعدم معرفتهم لهذا الاسم لعدم احتظائهم من جميع الصفات أو وجود احتجابهم عنها.