{ربنا إنك مَنْ تُدْخِل النار} بالحرمان {فقد أخزيته} بوجود البقية التي كلها ذلّ وعار وشنار {وما للظالمين} الذين أشركوا برؤية الغير مطلقاً أو البقية {من أنصار} {ربنا إننا سمعنا} بأسماع قلوبنا {منادياً} من أسرارنا التي هي شاطئ وادي الروح الأيمن {ينادي} إلى الإيمان العيانيّ {أن آمنوا بربكم} أي: شاهدوا ربكم، فشاهدنا {ربنا فاغفر لنا} ذنوب صفاتنا بصفاتك {وكفر عنّا} سيئات أفعالنا برؤية أفعالك {وتوفنا} عن ذواتنا في صحبة الأبرار من الأبدال الذين تتوفاهم بذاتك عن ذواتهم، لا الأبرار الباقين على حالهم في مقام محو الصفات غير المتوفين بالكلية {ربنا وآتِنا ما وعدتنا على} اتباع {رسلك} أو محمولاً على رسلك من البقاء بعد الفناء، والاستقامة بالوجود الموهوب بعد التوحيد {ولا تخزنا يوم القيامة} الكبرى ووقت بروز الخلق لله الواحد القهار بالاحتجاب بالوحدة عن الكثرة، وبالجمع عن التفصيل {إنك لا تُخْلِف الميعاد} فتبقى مقاماً وراءنا لم نصل إليه.
{فاستجاب لهم ربّهم أني لا أُضيع عمل عامل منكم من ذَكَر} القلب من الأعمال القلبية كالإخلاص واليقين والكشف {أو أنثى} النفس من الأعمال القالبية، كالطاعات والمجاهدات والرياضات {بعضكم من بعض} يجمعكم أصل واحد وحقيقة واحدة هي الروح الإنسانية، أي: بعضكم منشأ من بعض، فلا أثيب بعضكم وأحرم بعضاً {فالذين هاجروا} عن أوطان مألوفات النفس {وأخرجوا من} ديار صفاتها أو هاجروا من أحوالهم التي التذّوا بها، وأخرجوا من مقاماتهم التي يسكنون إليها {وأوذوا في سبيلي} أي: ابتلوا في سبيل سلوك أفعالي بالبلايا والمحن والشدائد والفتن ليتمرّنوا بالصبر، ويفوزوا بالتوكل في سبيل سلوك صفاتي بسطوات تجليّات الجلال والعظمة والكبرياء ليصلوا إلى الرضا {وقاتلوا} البقية بالجهاد فيّ {وقتلوا} وأفنوا فيّ بالكلية {لأكفرنّ عنهم سيئاتهم} كلها من الصغائر والكبائر، أي: سيئات بقاياهم {ولأدخلنهم} الجنات الثلاثة المذكورة {ثواباً} أي: عوضاً لما أخذت منهم من الموجودات الثلاثة {والله عنده حُسْن الثواب} أي: لا يكون عند غيره الثواب المطلق الذي لا يبقى منه شيء، ولهذا قال: والله، لأنه الاسم الجامع لجميع الصفات، فلم يحسن أن يقول: والرحمن، في هذه الموضع أو اسم آخر غير اسم الذات.