{ فلما بلغ معه السعي } بالسلوك في طريق الكمالات الخلقية والفضائل النفسانية، أوحى إليه أن يذبحه بالفناء في التوحيد والتسليم لربّه الحق بالتجريد من الصفات الكمالية: فأخبره بذلك، فانقاد وأسلم وجهه بالفناء في ذاته عن صفاته، ففدى على يد جبريل العقل الفعّال بذبح النفس الشريفة، السمينة العلوم، العظيمة الأخلاق وكمالات الفضائل، فذبحت بالفناء فيه، وأنجى إسماعيل القلب بالفناء الحقاني الموهوب المفدّى من جهة الله، وترك الله عليه السلام في العالمين المتخلفين عن مقامه لاهتدائهم بنوره واقتدائهم بإيمانه وهديه.
{ وإنّ يونس } القلب { لَمِن المُرْسَلين } إلى أهل النقصان، المحتجبين بالأبدان، المتّبعين للشيطان، المتظاهرين بالطغيان { إذ أبق } إلى فلك البدن { المشحون } بالقوى البدنية وكمالاتها الحسيّة الجاري في بحر الهيولى { فساهم } أي: فاقترع معهم في الحظوظ البدنية واختيارها بالأفكار العقلية { فكان من المدحضين } المحجوبين، المزلقين بالحجة البرهانية اليقينية لأنهم بدنيون أهل البحر والسفينة، وهو القدسيّ المجرّد من سكان الحضرة الإلهية، الآبق من سيده إلى السفينة، الملقي بيده إلى التهلكة، فألقي في البحر، فالتقمه حوت الرحم كلقطة النطفة { وهو مليم } مستحق للملامة للتعلق بالملابس البدنية الموجبة لوقوعه في تلك البليّة.
{ فلولا أنه كان من المسبحين } المنزهين لربّه بالتقديس حالة التجريد والتوحيد { للبث في بطنه } كسائر القوى الطبيعية والنفسانية المنغمسة في بطون حيتان الصور النوعية الجسمانية من الطبائع الهيولانية { إلى يوم يبعثون } أي: يوم يبعث المجرّدون عن مراقد أبدانهم مع بقائه في مرقده كسائر الغافلين، أو يوم يبعث رفقاؤه البدنيون في القيامة الصغرى { فنبذناه بالعراء } أي: بالفضاء من عرصة الدنيا بالولادة { وهو سقيم } ضعيف ممنوّ بالأعراض المادية واللواحق الطبيعية { وأنبتنا عليه شجرة من يقطين } لا تقوم على ساق وتنسرح على وجه الأرض تظلل عليه بأوارقها من الغواشي البدنية. وقد قيل في التفاسير الظاهرة: إنه قد ضعف بدنه في بطن الحوت وصار كطفل ساعة يولد { وأرسلناه } عند الكمال { إلى مائة ألف أو يزيدون } والله أعلم.