{ إنْ تَجْتنبوا كبائرَ ما تُنْهَون عنه } من إثبات الغير في الوجود الذي هو الشرك ذاتاً وصفة وفعلاً، فإن أكبر الكبائر إثبات وجود غير وجوده تعالى كما قيل:
وجودك ذنب لا يُقاس به ذنب
ثم إثبات الإثنينية في الذات بإثبات زيادة الصفات عليها، كما قال أمير المؤمنين عليه السلام. وكما قال: "الإخلاص له نفي الصفات عنه".
{ نكفر عنكم سيئاتكم } بظهور النفس والقلب بصفة من صفاتها أحياناً، فإنها بعد ظهور نور التوحيد لا تثبت { ونُدْخِلكم مدْخلاً كَرِيماً } أي: حضرة عين الجمع لا كرم إلا فيها { ولا تتمنوا ما فضّل الله به بعضكُم على بَعض } من الكمالات المرتبة بحسب الاستعدادات الأولية، فإن كل استعداد يقتضي بهويته في الأزل كمالاً وسعادة تناسبه، وحصول ذلك الكمال الخاصّ لغيره محال. ولذلك ذكر بلفظ التمني الذي هو طلب ما يمتنع حصوله للطالب لامتناع سببه { للرّجال } أي: الأفراد الواصلين { نصيبٌ مما اكْتسبوا } بنور استعدادهم الأصليّ { وللنساء } أي: الناقصين القاصرين عن الوصول { نصيبٌ مما اكْتَسبن } بقدر استعدادهنّ { واسْألوا الله من فَضْله } أي: اطلبوا منه إفاضة كمال يقتضيه استعدادكم بالتزكية والتصفية حتى لا يحول بينكم وبينه فتحتجبوا وتتعذبوا بنيران الحرمان منه { إنّ الله كان بكل شيءٍ } مما يخفى عليكم، كامناً في استعدادكم بالقوّة { عَلِيماً } فيجيبكم بما يليق بكم كما قال: { { وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ } [إبراهيم، الآية: 34] أي: بلسان الاستعداد الذي ما دعاه أحد به إلاّ أجاب، كما قال: { ٱدْعُونِيۤ أَسْتَجِبْ لَكُمْ } [غافر، الآية: 60].
{ واعْبدوا الله } خصصوه بالتوجه إليه، والفناء فيه، الذي هو غاية التذلّل { ولا تُشْرِكوا به شَيْئاً } بإثبات وجوده { وبالوالدينِ إحسَاناً } وأحسنوا بالروح والنفس اللذين تولد القلب منهما وهو حقيقتكم، لستم إلاّ إيّاه، ووفوا حقوقهما وراعوهما حقّ المراعاة بالاستفاضة من الأول، والتوجه إليه بالتسليم والتعظيم وتزكية الثانية، وحفظها من أدناس محبة الدنيا، والتذلّل بالحرص والشره وأمثالهما، ومن شرّ الشيطان وعداوته إياها وأعينوها بالرأفة والحمية بتوفير حقوقها عليها، ومنع الحظوظ عنها { وبِذِي القُرْبى } الذي يناسبكم في الحقيقة بحسب القرب في الاستعداد الأصليّ والمشاكلة الروحانية { واليَتامى } المستعدّين المنقطعين عن نور الروح القدسيّ الذي هو الأب الحقيقي، بالاحتجاب عنه { والمساكِينْ العاملين الذين لا مال لهم، أي: لا حظ من العلوم والمعارف والحقائق، فسكنوا ولم يقدروا على المسير وهم السعداء الصالحون الذين مآلهم إلى جنة الأفعال.
{ والجار ذِي القربى } الذي هو في مقام من مقامات السلوك، قريب من مقامك { والجار الجنبِ } الذي هو في مقامه بعيد من مقامك، { والصاحِب بالجنب } والرفيق الذي هو في عين مقامكم ويرافقكم في سيركم { وابْن السبيل } أي: السالك في طريق الحقّ، الداخل في الغربة عن مأوى النفس الذي لم يصل إلى مقام من مقامات أهل الله { وما مَلكَت أيمَانكم } من أهل إرادتكم ومحبتكم، الذين هم عبيدكم كُلاًّ بما يناسبه ويليق به من أنواع الإحسان، وإن شئت أوّلت ذي القربى بما يتصل به من الملكوت العالية من المجرّدات واليتامى بالقوى الروحانية كما مرّ. والمساكين بالقوى النفسانية من الحواس الظاهرة وغيرها. والجار ذي القربى بالعقل، والجار الجنبِ بالوهم، والصاحب بالجنب بالشوق والإرادة، وابن السبيل بالفكر، والمماليك بالملكات المكتسبة التي هي مصادر الأفعال الجميلة.
{ إن الله لا يحبّ من كان مُخْتالاً } يسعى في السلوك بنفسه لا بالله، معجباً بأعماله { فَخُوراً } مبتهجاً بأحواله ومقاماته وكمالاته، محتجباً برؤيتها ورؤية اتصافه بها.