خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ
٢
-الفاتحة

روح البيان في تفسير القرآن

{ الحمد لله } لامه للعهد اى الحمد الكامل وهو حمد الله لله أو حمد الرسل او كمل اهل الولاء او للعموم والاستغراق اى جميع المحامد والاثنية للمحمود اصلا والممدوح عدلا والمعبود حقا عينية كانت تلك المحامد او عرضية من الملك او من البشر او من غيرهما كما قال تعالى { وإن من شئ إلا يسبح بحمده } [الإسراء: 44].
والحمد عنه الصوفية اظهار كمال المحمود وكماله تعالى صفاته وافعاله وآثاره.
قال الشيخ داود القيصرى الحمد قولى وفعلى وحالى اما القولى فحمد اللسان وثناؤه عليه بما اثنى به الحق على نفسه على لسان انبيائه عليهم السلام واما الفعلى فهو الاتيان بالاعمال البدنية من العبادات والخيرات ابتغاء لوجه الله تعالى وتوجها الى جنابه الكريم لان الحمد كما يجب على الانسان باللسان كذلك يجب عليه بحسب كل عضو بل على كل عضو كالشكر وعند كل حال من الاحوال كما قال النبى عليه السلام
"الحمد لله على كل حال"
. وذلك لا يمكن الا باستعمال كل عضو فيما خلق لاجله على الوجه المشروع عبادة للحق تعالى وانقيادا لامره لا طلبا لحظوظ النفس ومرضاتها واما الحالى فهو الذي يكون بحسب الروح والقلب كالاتصاف بالكمالات العلمية والعملية والتخلق بالاخلاق الآلهية لان الناس مأمورون بالتخلق باخلاق الله تعالى بلسان الانبياء عليهم السلام لتصير الكمالات ملكة نفوسهم وذواتهم وفى الحقيقة هذا حمد الحق ايضا نفسه فى مقامه التفصيلي المسمى بالمظاهر من حيث عدم مغايرتها له واما حمده ذاته فى مقامه الجمعى الالهى قولا فهو ما نطق به فى كتبه وصحفه من تعريفاته نفسه بالصفات الكمالية وفعلا فهو اظهار كمالاته الجمالية والجلالية من غيبه الى شهادته ومن باطنه الى ظاهره ومن علمه الى عينه فى مجالى صفاته ومحال ولاية اسمائه وحال فهو تجلياته فى ذاته بالفيض القدس الاولى وظهور النور الازلى فهو الحامد والمحمود جمعا وتفصيلا كما قيل

لقد كنت دهرا قبل ان يكشف الغطا اخالك انى ذاكر لك شاكر
فلما اضاء الليل اصبحت شاهدا بانك مذكور وذكر وذاكر

وكل حامد بالحمد القولى يعرف محموده باسناد صفات الكمال اليه فهو يستلزم التعريف انتهى كلامه والحمد شامل للثناء والشكر والمدح ولذلك صدر كتابه بان حمد نفسه بالثناء فى لله والشكر فى رب العالمين والمدح فى الرحمن الرحيم مالك يوم الدين ثم ليس للعبد ان يحمده بهذه الوجوه الثلاثة حقيقة بل تقليدا ومجازا اما الاول فلان الثناء والمدح بوجه يليق بذاته او بصفاته فرع معرفة كنههما وقد قال الله تعالى { ولا يحيطون به علما } [طه: 110]. { وما قدروا الله حق قدره } [الأنعام: 91].
واما الثانى فكما ان النبي عليه السلام لما خوطب ليلة المعراج بان أثن على قال
"لا احصى ثناء عليك"
. وعلم ان لا بد من امتثال الامر واظهار العبودية فقال "انت كما اثنيت على نفسك.
"
فهو ثناء بالتقليد وقد امرنا ايضا ان نحمد بالتقليد بقوله { قل الحمد لله } [النمل: 59].
كما قال
{ فاتقوا الله ما استطعتم } [التغابن: 16].
كذا فى التأويلات النجمية: قال السعدى قدس سره

عطا ييست هر موى ازو برتنم جه كونه بهر موى شكرى كنم

وذكر الشيخ الامام حجة الاسلام الغزالىرحمه الله فى منهاج العابدين ان الحمد والشكر آخر العقبات السبع التى لا بد للسالك من عبورها ليظفر بمبتغاه فاول ما يتحرك العبد لسلوك طريق العبادة يكون بخطرة سماوية وتوفيق خاص الهى وهو الذى اشار اليه صاحب الشرع صلى الله عليه وسلم بقوله "ان النور اذا دخل قلب العبد انفتح وانشرح فقيل يا رسول الله هل لذلك من علامة يعرف بها فقال التجافى عن دار الغرور والانابة الى دار الخلود والاستعداد للموت قبل نزوله" .
فاذا خطر بقلب العبد اول كل شئ ان له منعما بضروب من النعم وقال انه يطالبنى بشكره وخدمته فلعله ان غفلت يزيل نعمته ويذيقنى نقمته وقد بعث الى رسولا بالمعجزات واخبرنى بان لى ربا عالما قادرا على ان يثيب بطاعته ويعاقب بمعصيته وقد امر ونهى فيخاف على نفسه عنده فلم يجد فى طريق الخلاص من هذا النزاع سبيلا سوى الاستدلال بالصنعة على الصانع فيحصل له اليقين بوجود ربه الموصوف بما ذكر فهذه عقبة العلم والمعرفة استقبله فى اول الطريق ليكون فى قطعها على بصيرة بالتعلم والسؤال من علماء الآخرة فاذا حصل له اليقين بوجود ربه بعثته المعرفة على التشمر للخدمة ولكنه لا يدرى كيف يعبده فيتعلم ما يلزمه من الفرائض الشرعية ظاهرا وباطنا فلما استكمل العلم والمعرفة بالفرائض انبعث للعبادة فنظر فاذا هو صاحب ذنوب كما هو حال اكثر الناس فيقول كيف اقبل على الطاعة وانا مصر متلطخ بالمعاصى فيجب ان اتوب اليه ليخلصنى من اسرها واتطهر من اقذارها فاصلح للخدمة فيستقبله ههنا عقبة التوبة فلما حصلت له اقامة التوبة الصادقة بحقوقها وشرائطها نظر للسلوك فاذا حوله عوائق من العبادة محدقة به فتأمل فاذا هى اربع الدنيا والخلق والشيطان والنفس فاستقبلته عقبة العوائق فيحتاج الى قطعها باربعة امور التجرد عن الدنيا والتفرد عن الخلق والمحاربة مع الشيطان والنفس وهى اشدها اذ لا يمكنه التجرد عنها ولا ان يقهرها بمرة كالشيطان اذهى المطية والآلة ولا مطمع ايضا فى موافقتها على الاقبال على العبادة اذهى مجبولة على ضد الخير كالهوى واتباعها له

نمى تازد اين نفس سركش جنان كه عقلش تواندكرفتن عنان
كه بانفس وشيطان برآيد بزور مصاف بلنكان نيايد زمور

فاحتاج الى ان يلجمها بلجام التقوى لتنقاد فيستعملها فى المراشد ويمنعها عن المفاسد فلما فرع من قطعها وجد عوارض تعترضه وتشغله عن الاقبال على العبادة فنظر فاذا هى اربعة رزق تطلبه النفس ولا بد واخطار من كل شئ يخافه او يرجوه او يريده او يكرهه ولا يدرى اصلاحه فى ذلك ام فساده والثالث الشدائد والمصائب تنصب عليه من كل جانب لا سيما وقد انتصب لمخالفة الخلق ومحاربة الشيطان ومضارة النفس والرابع انواع القضاء فاستقبله ههنا عقبة العوارض الأربعة فاحتاج الى قطعها باربعة بالتوكل على الله فى الرزق والتفويض اليه فى موضع الخطر والصبر عند الشدائد والرضى بالقضاء فاذا قطعها نظر فاذا النفس فاترة كسلى لا تنشط ولا تنبعث لخير كما يحق وينبغى وانما ميلها الى غفلة ودعة وبطالة بل الى سرف وفضول فاحتاج الى سائق يسوقها الى الطاعة وزاجراً بزجرها عند المعصية وهما الرجاء والخوف فالرجاء في حسن ما وعد من الكرامات والخوف من صعوبة ما وعد من العقوبات والاهانات فهذه عقبة البواعث استقبلته فاحتاج الى قطعها بهذين المذكورين فلما فرغ منها لم ير عائقا ولا شاغلا ووجد باعثا وداعيا معانق العبادة بلزام الشوق فنظر فاذا تبدو بعد كل ذلك آفتان عظيمتان هما الرياء والعجب فتارة يرائى بطاعته الناس وتارة يستعظم ذلك ويكرم نفسه فاستقبلته ههنا عقبة القوادح فاحتاج الى قطعها بالاخلاص وذكر المنة فاذا قطعها بحسن عصمة الجبار وتأييده حصلت العبادة له كما يحق وينبغى ولكنه نظر فاذا هو غريق فى بحور نعم الله من امداد التوفيق والعصمة فخاف ان يكون منه إغفال للشكر فيقع فى الكفران وينحط عن تلك المرتبة الرفيعة التى هى مرتبة اغذية الخالصين فاستقبلته ههنا عقبة الحمد والشكر فقطعها بتكثيرهما فلما فرغ منها فاذا هو بمقصوده ومبتغاه فيتنعم فى طيب هذه الحالة بقية عمره بشخص فى الدنيا وقلب فى العقبى ينتظر البريد يوما ويستقذر الدنيا فاستكمل الشوق الى الملأ الاعلى فاذا هو برسول رب العالمين يبشره بالرضوان من عند رب غير غضبان فينقلونه فى طيبة النفس وتمام البشر والانس من هذه الدنيا الفانية الى الحضرة الالهية ومستقر رياض الجنة فيرى لنفسه الفقيرة نعيماً وملكا عظيما: قال الشيخ سعدى قدس سره

عروسى يود نوبت ما تمت كرت نيك روزى بودخاتمت

قال خسرو عند وفاته

زدنيا ميرود خسر وبزيرلب همى كويد دلم بكرفت ازغربت تمناى وطن دارم

{ رب العالمين } لما نبه على استحقاقه الذاتى بجميع المحامد بمقابلة الحمد باسم الذات اردفه باسماء الصفات جمعا بين الاستحاققين وهو أى رب العالمين كالبرهان على استحقاقه جميع المحامد الذاتى والصفاتي والدنيوى والأخروي. والرب بمعنى التربية والاصلاح اما في حق العالمين فيربيهم باغذيتهم وسائر اسباب بقاء وجودهم وفى حق الانسان فيربى الظواهر بالنعمة وهى النفس ويربى البواطن بالرحمة وهى القلوب ويربى نفوس العابدين باحكام الشريعة ويربى قلوب المشتاقين بآداب الطريقة ويربى اسرار المحبين بانوار الحقيقة ويربى الانسان تارة باطواره وفيض قوى انواره فى اعضائه فسبحان من اسمع بعظم وبصر بشحم وانطق بلحم واخرى بترتيب غذائه فى النبات بحبوبه وثماره وفى الحيوان بلحومه وشحومه وفى الاراضى باشجاره وانهاره وفى الافلاك بكواكبه وانواره وفى الزمان بسكونك وتسكين الحشرات والحركات المؤذية فى الليالى وحفظك وتمكينك من ابتغاء فضله بالنهار فيا هذا يربيك كانه ليس له عبد سواك وانت لا تخدمه او تخدمه كأن لك ربا غيره.
والعالمين جمع عالم والالم جمع لا واحد له من لفظه. قال وهب لله ثمانية عشر الف عالم الدنيا عالم منها وما العمران في الخراب الا كفسطاط فى صحراء. وقال الضحاك ثلاثمائة وستون ثلاثمائة منهم حفاة عراه لا يعرفون خالقهم وهم حشو جهنم وستون عالما يلبسون الثياب مر بهم ذو القرنين وكلمهم وقال كعب الاحبار لا يحصى لقوله تعالى
{ وما يعلم جنود ربك إلا هو } [المدثر: 31].
وعن ابى هريرة رضى الله عنه ان الله تعالى خلق الخلق اربعة اصناف الملائكة والشياطين والجن والانس ثم جعل هؤلاء عشرة اجزاء تسعة منهم الملائكة وواحد الثلاثة الباقي ثم جعل هذه الثلاثة عشرة اجزاء تسعة منهم الشياطين وجزء واحد الجن والانس ثم جعلهما عشرة اجزاء فتسعة منهم الجن وواحد الانس ثم جعل الانس مائة وخمسة وعشرين جزأ فجعل مائة جزء فى بلاد الهند منهم ساطوح وهم اناس رؤسهم مثل رؤس الكلاب ومالوخ وهم اناس اعينهم على صدورهم وماسوخ وهم اناس آذانهم كآذان الفيلة ومالوف وهم اناس لا يطاوعهم ارجلهم يسمون دوال ياى ومصير كلهم الى النار وجعل اثنى عشر جزأ منهم فى بلاد الروم النسطورية والملكانية والاسرائيلية كل من الثلاث اربع طوائف ومصيرهم الى النار جميعا وجعل ستة اجزاء منهم فى المشرق يأجوج ومأجوج وترك وخاقان وترك حد خلخ وترك خزر وترك جرجير وجعل ستة اجزاء فى المغرب الزنج والزط والحبشة والنوبة وبربر وسائر كفار العرب ومصيرهم الى النار وبقى من الانس من اهل التوحيد جزء واحد فجز أهم ثلاثا وسبعين فرقة اثنتان وسبعون على خطر وهم أهل البدع والضِلالات وفرقة ناجية وهم اهل اسنة والجماعة وحسابهم على الله تعالى يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء وفى الحديث
"ان بنى اسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين فرقة وتفرق امتى على ثلاث وسبعين فرقة كلهم فى النار الا فرقة واحدة" قالوا من هى يا رسول الله قال "من هم على ما انا عليه واصحابى"
يعنى ما انا عليه واصحابى من الاعتقاد والفعل والقول فهو حق وطريق موصل الى الجنة والفوز والفلاح وما عداه باطل وطريق الى النار ان كانوا اباحيين فهم خلود والا فلا.