خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَمَا كَانَ ٱلنَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَٱخْتَلَفُواْ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ
١٩
-يونس

روح البيان في تفسير القرآن

{ وما كان الناس الا امة واحدة } اى على ملة واحدة فى عهد آدم عليه السلام الى ان قتل قابيل هابيل اوفى زمن نوح بعد الطوفان حين لم يبق على وجه الارض من الكافرين ديارا فان الناس كانوا متفقين على الدين الحق { فاختلفوا } اى تفرقوا الى مؤمن وكافر { ولولا كلمة سبقت من ربك } اى لولا الحكم الازلى بتأخير العذاب الفاصل بينهم الى يوم القيامة فانه يوم الفصل والجزاء { لقضى بينهم } عاجلا { فيما يختلفون } باهلاك المبطل وابقاء المحق. قال الكاشفى [هر آينه حكم كرده شدى ميان ايشان ران جنرى كه ايشان دران اختلاف ميكنند عذاب بيامدى ومبطل هلاك شدى ومحق بماندى] ويحتمل ان يكون المعنى ان الناس كانوا امة واحدة فى بدء الخلقة موجودين على اصل الفطرة التى فطر الناس عليها فاختلفوا بحسب تربية الوالدين كما قال عليه السلام " كل مولود يولد على الفطرة فابواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه" ثم اختلفوا بعد البلوغ بحسب المعاملات الطبيعية والشرعية ثم هذا الاختلاف كما كان بين الامم السالفة كذلك كان بين هذه الامة فمن مؤمن ومن كافر ومن مبتدع وفى اختلافهم فائدة جليلة وحكمة عظيمة حيث ان الكمال الالهى انما يظهر بمظاهر جماله وجلاله لكن ينبغي للناس ان يكونوا على التآلف والتوافق دون التباغض والتفرق لان يد الله مع الجماعة وانما يأكل الذئب الشاة المنفردة -واوصى حكيم- اولاده عند موته وكانوا جماعة فقال لهم ائتونى بعصى فجمعها وقال اكسروها وهى مجموعة فلم يقدروا على ذلك ثم فرقها وقال لهم خذوا واحدة واحدة فاكسروها فكسروها فقال لهم هكذا انتم بعدى لن تغلبوا ما اجتمعتم فاذا تفرقتم تمكن منكم عدوكم فاهلككم وفى الحديث "اوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وان تأمر عليكم عبد وانه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ" والمراد بالخلفاء ابو بكر وعمر وعثمان وعلى رضوان الله عليهم اجمعين. والراشدون جمع راشد اسم فاعل وهو الذى اتى بالرشد واتصف به وهو ضد الغى فالراشد ضد الغاوى والغاوى من عرف الحق وعمل بخلافه. والنواجذ آخر الاسنان والمعنى واظبوا على السنة والزموها واحرصوا عليها كما يفعل العاض على الشيء بنواجذه خوفا من ذهابه وتفلته وقد وقع هذا الاختلاف وسيقع الى ان يقوم المهدى وينزل عيسى عليه السلام: قال الحافظ

تو عمر خواه وصبورى كه جرخ شعبده باز هزار بازى ازين طرفه تر برانكيزد

وقال

روزى اكر غمى رسدت تنك دل مباش روشكر كن مباد كه ازبد بتر شود

قال بعض العلماء فى هذه الامة فرقة مختلفة تبغض العلماء وتعادى الفقهاء ولم يكن ذلك فيمن تقدم قبلنا من الامم بل كانوا منقادين لهم محبين كما وصفهم الله تعالى فى كتابه { { اتخذوا احبارهم ورهبانهم اربابا من دون الله } والفقيه اذا كان مبغوضا بين الناس فما ظنك بالعالم بالله الا تراهم اذا وجدوا الرجل كاملا في العلوم الظاهرة والباطنة متفردا فى فنه متميزا من جنسه متفوقا على اقرانه فمن قائل فى حقه انه زنديق ومن قائل انه مبتدع وقلما تسمع من يقول انه صديق فانظر الى غيرة الله تعالى كيف ستره عن الاغيار واخفى سره عن الاشرار: قال الحافظ

معشوق عيان ميكذرد برتو وليكن اغيار همى بيند ازان بسته نقابست

قال رويم من المشايخ الكرام لا يزال الصوفية بخير ما تنافروا فاذا اصطلحوا هلكوا وذلك لانه لو قبل بعضهم بعضا ابقى بعضهم مع بعض وسكن بعضهم الى بعض والسكون الى غير الله تعالى عند الخواص من قبيل عبادة الاصنام عند العوام وهذا التبرى بين الصوفية المحققين ليس كالتبري بين اليهود والنصارى لان تبريهم فى الحق للحق وتبرى هؤلاء فى الباطل للباطل والحاصل ان من الخلاف ما كان مذموما وما كان ممدوحا فالمذموم هو ما كان في العقائد واصول الدين والممدوح هو ما كان فى الاعمال وفروع الدين كما قال عليه السلام "اختلاف الائمة رحمة" وعن علي كرم الله وجهه قال له يهودي ما دفنتم نبيكم حتى اختلفتم فقال انما اختلفنا عنه لا فيه ولكنكم ما جفت ارجلكم من البحر حتى قلتم لنبيكم اجعل لنا آلها كما لهم وهذا من الاجوبة المسكتة والله يقول الحق وهو يهدى السبيل