خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ ٱلنَّاسَ وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ قَالَ ٱلْكَافِرُونَ إِنَّ هَـٰذَا لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ
٢
-يونس

روح البيان في تفسير القرآن

{ أكان للناس عجبا } الهمزة لانكار تعجبهم ولتعجيب السامعين منه لكونه في غير محله والمراد بالناس كفار مكة. قال ابو البقاء للناس حال من عجبا لان التقدير أكان عجبا للناس وعجبا خبر كان واسمه قوله { ان اوحينا الى رجل منهم } اي بشر من جنسهم فانهم كانوا يتعجبون من ارسال البشر ولم يتعجبوا من ان يكون الاله صنما من حجر او ذهب او خشب او نحاس او ممن لا يعرف بكونه ذا جاه ومال ورياسة ونحو ذلك مما يعدونه من اسباب العز والعظمة فانهم كانوا يقولون العجب ان الله تعالى لم يجد رسولا يرسله الى الناس الا يتيم ابي طالب وهو من فرط حماقتهم وقصر نظرهم على الامور العاجلة وجهلهم بحقيقة الوحى والنبوة فانه عليه السلام لم يكن يقصر عن عظمائهم في النسب والحسب والشرف وكل ما يعتبر في الرياسة من كرم الخصال الا في المال ولا مدخل له في شرف النفس ونجابة جوهرها الا انهم لعظم الغنى في اعينهم تعجبوا من اصطفائه للرسالة { { وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم } قال الحافظ قدس سره

تاج شاهى طلبى كوهر ذاتى بنماى درخود از كوهر جمشيد فريدون باشى

وقال السعدى قدس سره

هنر بايد وفضل ودين كه كاه ازكوهر جمشيد فريدون باشى

قال في التأويلات النجمية يشير إلى انهم يتعجبون من ايحائنا الى محمد عليه السلام لانه كان رجلا منهم وفيه راينا رجوليته قبل الوحي وتبليغ الرسالة من بينهم ولهذا السر ما اوحي الى امرأة بالنبوة قط انتهى. والرجولية هي صدق اللسان ودفع الاذى عن الجيران والمواساة مع الاخوان هذا في الظاهر واما في الحقيقة فالتنزه عن جميع ما سوى الله تعالى. وفي حديث المعراج (ان الله تعالى نظر الى قلوب الخلق فلم يجد اعشق من قلب محمد عليه السلام فلذا اكرمه بالرؤية) فالعبرة لحال الباطن لا لحال الظاهر. واعلم ان حال الولاية كحال النبوة ولو رأيت اكثر اهل الولاية في كل قرن وعصر لوجدتهم ممن لا يعرف بجاه ومن عجب من ذلك القى في ورطة الانكار وحجب بذلك الستر عن رؤية الاخيار { ان } مفسرة للمفعول المقدر اي اوحينا اليه شيئا هو { انذر الناس } اي جميع الناس كافة لا ما اريد بالاول عمم الانذار لانه ينفع جميع المكلفين من الكفار وعوام المؤمنين وخواصهم فالبعض ينذر بنار الجحيم والبعض الآخر بانحطاط الدرجات في دار النعيم والبعض الثالث بنار الحجاب عن مطالعة جمال الرب الكريم وقدم الانذار على التبشير لان ازالة ما لا ينبغي متقدمة في الرتبة على فعل ما ينبغي وهو لا يفيد ما دامت النفس ملوثة بالكفر والمعاصى فان تطبيب البيت بالبخور انما يكون بعد الكنس وازالة القاذورات ألا ترى ان الطبيب الذي يباشر معالجة مرض القلب لا بد له ان يبدأ اولا البدن من الاخلاط الرديئة ثم يباشر المعالجة بالمقويات فكذلك الطبيب الذي يباشر معالجة مرض القلب لا بد أن يبدأ اولاً بتنقيته من العقائد الزائغة والاخلاق الردئية والاعمال القبيحة المكدرة للقلب بان يسقيه شربة الانذار بسوء عاقبة تلك الامور بعد تنقيته من المهلكات يعالجه بما يقويه على الطاعات بأن يسقيه شربة التبشير بحسن عاقبة الاعمال الصالحات ولهذا اقتصر على ذكر الانذار في مبدأ امر النبوة حيث قال { { يا ايها المدثر قم فانذر } { وبشر الذين آمنوا } دون الذين كفروا اذ ليس لهم ما يبشرون به من الجنة والرحمة ما داموا على كفرهم { ان لهم } اى بان لهم { قدم صدق عند ربهم } اي اعمالا صالحة سابقة قدموها ذخرا لآخرتهم ومنزلة رفيعة يقدمون عليها سميت قدما على طريق تسمية الشيء باسم آلته لان السبق والقدوم يكون بالقدم كما سميت النعمة يدا لانها تعطى باليد واضافة قدم الى الصدق من قبيل اضافة الموصوف الى صفته للمبالغة في صدقها وتحقيقها كأنها في صدقها وتحققها مطبوعة منه واذا قصد تبيينها لا تبيين الا به. وعن ابن عباس رضي الله عنهما انه قال { قدم صدق } شفاعة نبيهم لهم هو امامهم الى الجنة وهو بالاثر.

كفتى كنم شفاعت عاصى عذر خواه دل بر اميد آن كرم افتاد در كناه

{ قال الكافرون } هم المتعجبون اى كفار مكة مشيرين الى رسول الله عليه السلام { ان هذا الساحر مبين } [جادويست آشكارا] وفيه اعتراف بانهم صادفوا من الرسول امورا خارقة للعادة معجزة اياهم عن المعارضة. واعلم ان الكفار سحرهم سحرة صفات فرعون النفس ولذا صاروا صما بكما عميا عن الحق فهم لا يعقلون الحق ولا يتبعون داعى الحق والنفس جبلت على حب الرياسة وطلب التقدم فلا ترضى ان تكون مرؤوسة تحت غيرها فاصلاحها انما هو بالعبودية التى هى ضد الرياسة والانقياد للمرشد: وفى المثنوى

همجو استورى كه بكر يزد زبار او سر خود كيرد اندر كوهسار
صاحبش از بي دوران كاى خيره سر هو طرف كركيست اندر قصد خر
استخوانت را بخايد جون شكر كه نبينى زندكانى را دكر
هي بمكريز از صرف كردنم وزكراني بار جون جانت منم
تو ستورى هم كه نفست غالبست حكم غالب را بود اى خود برست
مير آخر بود حق را مصطفا بهر استوران نفس بر جفا
لا جرم اغلب بلا بر انبيا ست كه رياضت دادن خامان بلاست

قال عيسى عليه السلام للحواريين اين تنبت الحبة قالوا في الارض فقال كذلك الحكمة لا تنبت الا في القلب مثل الارض يشير الى التواضع والى هذه الاشارة بقول سيد البشر "من اخلص لله اربعين صباحا ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه" والينابيع لا تكون الا في الارض وهو موضع نبع الماء فظهر ان الكفار لم ينزلوا انفسهم الى مرتبة التواضع والعبودية. ولم يقبلوا الانذار بحسن النية. حرموا من الورود الى المنهل العذب الذي هو القرآن. فبقوا عطشى الاكباد في زوايا الهجران. واين المتكبرون المتصدعون الى جوَ هواهم. من الشرب من ينبوع الهدى الذي اجراه من لسان حبيبه مولاهم. وكما ان الكفار بالكفر الجلى ادعوا كون القرآن سحرا وانكروا مثل ذلك الخارق لعاداتهم. فكذا المشركون بالشرك الخفي انكروا الكرامات المخالفة لمعاملاتهم. قال الام اليافعيرحمه الله ثم ان كثيرا من المنكرين لو رأوا الاولياء والصالحين يطيرون في الهواء لقالوا هذا سحر وهؤلاء شياطين ولا شك ان من حرم التوفيق وكذب بالحق غيبا وحدسا كذب به عيانا وحسا فواعجبا كيف نسب السحر وفعل الشياطين الى الانبياء العظام والاولياء الكرام نسأل الله العفو والعافية سرا وجهارا. وان يحفظنا من العقائد الزائغة والاعمال الموجبة بوارا