خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَلَمَّآ أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ مَّتَاعَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ
٢٣
-يونس

روح البيان في تفسير القرآن

{ فلما انجيناهم } مما غشيهم من الكربة اجابة لدعائهم والفاء للدلالة على سرعة الاجابة { اذا هم يبغون فى الارض } اى فاجأوا الفساد فيها وسارعوا الى ما كانوا عليه من التكذيب والشرك والجراءة على الله تعالى وزيادة فى الارض للدلالة على شمول بغيهم لاقطارها { بغير الحق } اى حال كونهم ملتبسين بغير الحق قال الكاشفى [تأكيدست يعنى فساد ايشان بغير حق است هم باعتقاد ايشان جه ميدانندكه دران عمل مبطلند] فيكون كما فى قوله تعالى { ويقتلون النبيين بغير الحق } وقد سبق فى سورة البقرة { يا ايها الناس } الباغون { انما بغيكم } الذى تتعاطونه وهو مبتدأ خبره قوله تعالى { على انفسكم } او وباله راجع عليكم وجزاؤه لاحق بكم لا على الذين تبغون عليهم وان ظن كذلك { متاع الحيوة الدنيا } نصب على انه مصدر مؤكد لفعل مقدر بطريق الاستئناف اى تتمتعون متاع الحياة الدنيا اياما قلائل فتفنى الحياة وما يتبعها من اللذات وتبقى العقوبات على اصحاب السيئات هركه اوبد ميكند بى شبهة باخود ميكند { ثم الينا مرجعكم } فى يوم القيامة لا الى غيرنا { فننبئكم بما كنتم تعملون } فى الدنيا على الاستمرار من البغى وهو وعيد بالجزاء كقول الرجل لمن يتوعده سأخبرك بما فعلت عبر عن اظهاره بالتنبئة لما بينهما من الملابسة فى انهما سببان للعلم. وفى الآية الكريمة اشارات. منها ان الفلك نعمة من الله تعالى اذ قد يحتاج الناس الى عبور البحر به ولذا امتن الله عليهم بالتسيير فى البحر. قال فى انوار المشارق يجوز ركوب البحر للرجال والنساء كذا قاله الجمهور وكره ركوبه للنساء لان الستر فيه لا يمكنهن غالبا ولا غض البصر من المتصرفين فيه ولا يؤمن انكشاف عوراتهن فى تصرفتهن لا سيما فيما صغر من السفن مع ضرورتهن الى قضاء الحاجة بحضرة الرجال انتهى. وعن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما يرفعه الى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم "لا تركب البحر الا حاجا او معتمرا او غازيا فى سبيل الله فان تحت البحر نارا و تحت النار بحرا" قوله فان تحت البحر نارا اشارة الى ان راكبه متعرض للآفات المهلكة كالنار. وقوله وتحت النار بحرا اراد به تهويل امر البحر وخوف الهلاك منه كما يخاف من ملامسة النار وان اختيار ذلك لغرض من الاغراض الفانية سفه وجها لان فيه تلف النفس وبذل النفس لا يجمل الا فيما يقرب العبد الى الله وهذا الحديث يدل على وجوب ركوب البحر للحج والجهاد اذا لم يجد طريقا آخر ومن ركب البحر واصابه نصب ومشقة كدوران الرأس وغثيان المعدة وغير ذلك فله اجر شهيد ان كان يمشى الى طاعة الله كالغزو والحج وطلب العلم وزيادة الاقارب واما التجار فان لم يكن طريق سوى البحر وكانوا يتجرون للقوت لا لجمع المال فهم داخلون فى هذا الاجر. والغريق له اجر شهيدين. احدهما لقصد ما فيه طاعة. وثانيهما للاغراق وفى الحديث "حجة لمن لم يحج خير من عشر غزوات وغزوة لمن قد حج خير من عشر حجج وغزوة فى البحر خير من عشر غزوات فى البر ومن فاته الغزو معى فليغز فى البحر" يقول الفقير واما الصوم فعلى عكس ذلك والله اعلم لان الصوم فى البحر سهل حيث لا يشتهى الطبع الطعام لاجل الدوران والغثيان بخلافه فى البر وقوة الاجر بكثرة التعب وكذا الغزو فى البر سهل بالنسبة الى البحر لسعة الارض وامكان التحفظ من العدو وقوة المزاج ولم يكن ذلك فى البحر. قيل لبحار ما اعجب ما رأيت من عجائب البحر قال سلامتى منه ونعم ما قيل

بدريارد منافع بى شمارست اكرخواهى سلامت در كنار ست

قال السعدى قدس سره

سود دريانيك بودى كرنبودى بيم موج صحبت كل خوش بدى كرنيستى تشويش خار

-لطيفة- ركب نحوى سفينة فقال للملاح اتعرف النحو قال لا قال ذهب نصف عمرك فهاجت الريح واضطربت السفينة فقال الملاح اتعرف السباحة قال لا قال ذهب كل عمرك وفى المثنوى

محو مى بايد نه نحو اينجابدان كرتو محوى بى خطر درآب ران
آب دريا مرده را برسر نهد وربود زنده زدريا كى رهد
جون بمردى توز اوصاف بشر بحر اسرارات نهد بر فرق سر
اى كه خلقان راتوخر مى خواندة اين زمان جون خربرين يخ ماندة

ومنها ان البغى والفساد والتعصب والعناد وكفران نعمة رب العباد انما هو من نسيان العهد مع الله ذى الامداد ونتيجة النسيان والاصرار على الآثام المؤاخذة والانتقام وفى الحديث "ثنتان يعجلهما الله فى الدنيا البغى وعقوق الوالدين" وفى الحديث "لا تمكر ولا تعن ماكرا ولا تبغ ولا تعن باغيا ولا تنكث ولا تعن ناكثا" فالبغاة من القضاة والولاة لا يجوز اعانتهم فى امر من الامور فى اجراءالاحكام الشرعية فقد ورد "من اعان ظالما سلط الله عليه" وفى الحديث "ما من عبد ولاه الله امر رعيته فغشهم ولم ينصح لهم ولم يشفق عليهم الا حرم الله عليه الجنة" قال السعدى قدس سره

رعيت جوبينجند سلطان درخت درخت اى بسرباشد ازبيح سخت
مكن تاتوانى دل خلق ريش وكر ميكنى ميكنى بيخ خويش
كرانصاف برسى بداختر كسست كه در راحتش رنج ديكر كسست
ثماند ستمكار بد روز كار بماند بر ولعنت بإيدار

ومنها ان لكل عمل صورة حقيقية بها يظهر فى النشأة الآخرة فان كان خيرا فعلى صورة حسنة وان كان شرا فعلى صورة قبيحة وهذه الصورة المختلفة برزت فى هذه النشأة على خلاف ما هى عليه فى الآخرة ولذا استحسن العصاة المعاصى واستحلوها وان كانت سموما قاتلة واستكرهوا الطاعات ووجدوها مرة المذاق وان كانت معاجين نافعة فالبغى برز فى هذه الدار بصورة مشتهاة عند البغاة لتمتعهم به من حيث اخذ المال والتشفى من الاعداء ونحو ذلك وسينبئهم الله باعمالهم اى يظهرها لهم على صورها الحقيقية فيرون ان الامر على خلاف ما ظنوا