خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ فِي ٱلْحَياةِ ٱلدُّنْيَا وَفِي ٱلآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ ٱللَّهِ ذٰلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ
٦٤
-يونس

روح البيان في تفسير القرآن

{ لهم البشرى فى الحياة الدنيا وفى الآخرة } بيان لما اولاهم من خيرات الدارين بعد بيان انجائهم من شرورهما ومكارههما. ولجملة مستأنفة كأنه قيل هل لهم وراء ذلك من نعمة وكرامة فقيل لهم ما يسرهم فى الدارين وتقديم الاول لما ان التخلية سابقة عن التحلية. والبشرى مصدر اريد به من الخيرات العاجلة كالنصر والفتح والغنيمة وغير ذلك والآجلة الغنية عن البيان والظرفان فى موقع الحال منه والعامل ما فى الخبر من معنى الاستقرار اى لهم البشرى حال كونها فى الحياة الدنيا وحال كونها فى الآخرة اى عاجلة وآجلة او من الضمير المجرور اى حال كونهم فى الحياة لخ ومن البشرى العاجلة الثناء الحسن والذكر الجميل ومحبة الناس هذا ما اختاره المولى ابو السعود بناء على انها بشارة ناجزة مقصودة بالذات. وقيل البشرى مصدر والظرفان متعلقان به اما البشرى فى الدنيا فهى البشارات الواقعة للمؤمنين المتقين فى غير موضع من الكتاب المبين وعن النبي عليه السلام "هى الرؤيا الصالحة يراها المؤمن او ترى له" اى يراها مسلم لاجل مسلم آخر ولا يخفى ان كون الرؤيا الصالحة مبشرة للمؤمنين يمنع ان تكون بنبوة فتكون بوجه آخر من صلاح وتنبيه غفلة وفرح وغيرها كما فى شرح المشارق لابن الملك وهذه البشارة لا تحصل الا لاولياء الله لانهم مستغرقوا القلب والروح فى ذكر الله ومعرفة الله فمنامهم كاليقظة لا يفيد الا الحق واليقين واما من يكون متوزع الخاطر على احوال هذا العالم الكدر المظلم فانه لا اعتماد على رؤياه.
وفى التأويلات النجمية لهم المبشرات التى هى تلو النبوة من الوقائع التى يرون بين النوم واليقظة والالهامات والكشوف وما يرده عليهم من المواهب والمشاهدات كما قال عليه السلام
"لم يبق من النبوة الا المبشرات" انتهى
وفى الحديث
"الرؤيا الصادقة من الرجل الصالح جزء من ستة واربعين جزء من النبوة" ومعناه ان النبي عليه السلام حين بعث اقام بمكة ثلاث عشرة سنة وبالمدينة عشر سنين فمدة الوحى اليه فى اليقظة ثلاث وعشرون سنة ومدة الوحى فى المنام ستة اشهر من ثلاث وعشرين سنة فهى جزء من ستة واربعين جزأ وانما ابتدئ رسول الله بالرؤيا لئلا يفجأه الملك بالرسالة فلا تتحملها القوى البشرية فكانت الرؤيا تأنيسا له.
وقال بعضهم لهم البشرى عند الموت تأتيهم الملائكة بالرحمة. واما البشرى فى الآخرة فتلقى الملائكة اياهم مسلمين مبشرين بالفوز والكرامة وما يرون من بياض وجوههم واعطاء الصحف بايمانهم وما يقرأون منها وغير ذلك من البشارات فى كل موطن من المواطن الاخروية فتكون هذه بشارة بما سيقع من البشارات العاجلة والآجلة المطلوبة لغاياتها لا لذواتها
[سلمى فرموده كه بشارات دنيا وعده لقاست ومرده آخرت تحقيق آن وعده. وشيخ الاسلام فرموده كه ولى را دوبشارتست دردنيا شناخت ودرعقبى نواخت. درين سراى سرور مجاهد ودران سراى نور مشاهده. اينجا صفا ووفا وآنجار ضاولقا].
وفى التأويلات النجمية بشراهم فى الآخرة بكشف القناع من جمال العزة عن سطوات نور القدم وزهق ظلمة الحدوث وبلقاء الحق رحمة منه كما قال تعالى
{ { يبشرهم ربهم برحمة } وفى حديث "الرؤية فى النشأة الكثيبية يقول الله تعالى لهم بعد التجلى هل بقى لكم شيء بعد ها فيقولون يا ربنا وأى شيء بقى وقد نجيتنا من النار وادخلتنا دار رضوانك وانزلتنا بجوارك وخلعت علينا ملابس كرمك واريتنا وجهك فيقول الحق جل جلاله بقى لكم فيقولون يا ربنا وما ذاك الذى بقى فيقول دوام رضاى عليكم فلا اسخط عليكم ابدا" فما احلاها من كلمة وما الذها من بشرى فبدأ سبحانه بالكلام خلقنا فقال كن فاول شيء كان لنا منه السماع فختم ما به بدأ فقال هذه المقالة فختم بالسماع وهو هذه البشرى { لا تبديل لكلمات الله } اى لمواعيده الواردة فى حقهم اذ لا خلف لمواعيده اصلا
وفى التأويلات النجمية لا يتغير احكامه الازلية حيث قال للولى كن وليا وللعدو وكن عدوا وكانوا كما اراد للحكمة البالغة فلا تغير لكلمة الولى وكلمة العدو { ذلك } التبشير { هو الفوز العظيم } الذى لا يصل الى كهنه العقول وكيف لا وفيه سعادة الدارين
اعلم ان الولاية على قسمين عامة وهى مشتركة بين جميع المؤمنين كما قال الله تعالى
{ { الله ولى الذين ءامنوا يخرجهم من الظلمات الى النور } وخاصة وهى مختصة بلواصلين الى الله من اهل السلوك والولاية عبارة عن فناء العبد فى الحق والبقاء به ولا يشترط فى الولاية الكرامات الكونية فانها توجد فى غير الملة الاسلامية لكن يشترط فيها الكرامات القلبية كالعلوم الالهية والمعارف الربانية فهاتان الكرامتان قد تجتمعان كما اجتمعتا فى الشيخ عبد القادر الكيلانى والشيخ ابن مدين المغربى قدس الله سرهما فانه لم يأت من اهل الشرق مثل عبد القادر فى الخوارق ومن اهل الغرب مثل ابن مدين مع مالهما من العلوم والمعارف الكلية وقد تفترقان فتوجد الثانية من دون الاولى كما فى اكثر الكمل من اهل الفناء. واما الكرامات الكونية كالمشى على الماء والطيران فى الهواء وقطع المسافة البعيدة فى المدة القليلة وغيرها فقد صدرت من الرهابنة والمتفلسفة الذين استدرجهم الحق بالخذلان من حيث لا يعلمون كما سبق فى سورة البقرة عند قوله تعالى { { ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهى كالحجارة او اشد قسوة } الآية. والنبوة والرسالة كالسلطنة اختصاص الهى لا مدخل لكسب العبد فيها. واما الولاية كالوزارة فلكسب العبد مدخل فيها فكما يمكن الوزارة بالكسب كذلك يمكن الولاية بالكسب وفى الحقيقة كل منهما اختصاص عطائى غير كسبى حاصل للعين الثابتة من الفيض الا قدس وظهوره بالتدريج بحصول شرائطه واسبابه يوهم المحجوب فيظن انه كسبى بالتعمل فاول الولاية انتهاء السفر الاول الذى هو السفر من الخلق الى الحق بازالة التعشق عن المظاهر والاغيار والخلاص من القيود والاستار والعبور على المنازل والمقامات والحصول على المراتب والدرجات وبمجرد العلم اليقينى للشخص لا يلحق باهل المقام لانه انما يتجلى الحق لمن انمحى رسمه وزال عنه اسمه ولما كانت المراتب متميزة قسم ارباب هذه الطريقة المقامات الكلية الى علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين.
فعلم اليقين متصور الامر على ما هو عليه
وعين اليقين بشهوده كما هو
وحق اليقين بالفناء فى الحق والبقاء علما وشهودا وحالا لا علما فقط ولا نهاية لكمال الولاية فمراتب الاولياء غير متناهية والطريق التوحيد وتزكية النفس عن الاخلاق الذميمة وتطهيرها من الاغراض الدنيئة فمن جاهد فى طريق الحق فقد سعى فى الحق نفسه بزمرة الاولياء ومن اتبع الهوى فقد اجتهد فى الالتحاق بفرقة الاعداء والسلوك الارادة لاجل الفناء فان المريد من يفن ارادته فى ارادة الشيخ فمن عمل برأيه امرا فهو ليس بمريد: وفى المثنوى

مكسل از بيغمبر ايام خويش تكيه كم كن برفن وبركام خويش
كرجه شيرى جون روى ره بيدليل همجور وبه ودر ضلالى وذليل
هين مبرالا كه بابر هاى شيخ تابه بينى عون ولشكر هاى شيخ

وينبغى للمؤمن ان يجتهد فى تحصيل سير اولياء الله واقل الامر ان لا يقصر فى حبهم فان المرء مع من احب ان يحشر معه فلا بد من الجهة الجامعة من وجه خاص