خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَٱصْبِرْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ
١١٥
-هود

روح البيان في تفسير القرآن

{ واصبر } يا محمد على مشاق الاوامر ويدخل فيه الامة بالتبعية وقد كانت العادة القرآنية على اجراء اكثر خطابات الاوامر على النبى عليه لسلام واكثر خطابات النهى على الامة اعتبارا للاصالة فى الاتصاف والتنزه والاجتناب فافهم { فان الله لا يضيع اجر المحسنين } فى اعمالهم صلاة كانت او صبرا او غيرهما من فرائض الاسلام ومندوبات الاعمال ومكارم الاخلاق ومحاسن الشيم اى يوفيهم اجور اعمالهم من غير بخس اصلا وانما عبر عن ذلك بنفى الاضاعة مع ان عدم اعطاء الاجر ليس باضاعة حقيقة كيف لا والاعمال غير موجبة للثواب حتى يلزم من تخلفه عنها ضياعها لبيان كمال نزاهته تعالى عن ذلك بتصويره بصورة ما يمتنع صدوره عنه سبحانه من القبائح وابراز الاثابة فى معرض الامور الواجبة وهو تعليل للامر بالصبر. وفيه ايماء الى ان الصبر من باب الاحسان وهو ان تعبد الله كأنك تراه لانه اذا قدر المرء على هذه المشاهدة هان عليه الصبر وغيره من مر الاحكام ولا يكون هذا الاحسان الا بالاخلاص واخلاص السريرة

كر نباشد نيت خالص جه حاصل از عمل

وكان اهل الخير يكتب بعضهم الى بعض بثلاث كلمات من عمل لآخرته كفاه الله امر دنياه ومن اصلح سريرته صلح الله علانيته. ومن اصلح فيما بينه وبين الله اصلح الله ما بينه وبين الناس.
واعلم ان الله تعالى امر ونهى ومراده اطاعة عباده له فى كل ما يأتون وما يدرون فان فلاحهم فى ذلك ولا يرضى الله منهم الا بالطاعة والتسليم والقبول: قال الحافظ

مزن زجون وجرا دمكه بنده مقبول قبول كرد بجان هر سخن كه جانان كفت

وعن ابى بكر الوراق قال طلبنا اربعة اشياء سنين فوجدناها فى اربعة. طلبنا رضى الله تعالى فوجدناه فى طاعته. وطلبنا السعة فى المعيشة فوجدناها فى صلاة الضحى. وطلبنا سلامة الدين فوجدناها فى حفظ اللسان. وطلبنا نور القبر فوجدناه فى صلاة الليل.
فعلى العاقل السعى فى طريق الطاعات وتنوير القلب بنور العبادات.
وفى التأويلات النجمية { واصبر } ايها الطالب الصادق والعاشق الوامق على صرف الاوقات فى طلب المحبوب بدوام الذكر ومراقبة القلب وترك لشهوات ومخالفة الهوى والطبيعة { فان الله لا يضيع اجر المحسنين } اى سعى الطالبين كما قال
{ { ألا من طلبنى وجدنى } لان من سنة كرمه قوله { { من تقرب الى شبرا تقربت اليه ذراعا } والمقصود من الحديث القدسى بيان سعة فيضه وجوده على عباده والتقرب الى الله تعالى انما يكون بقطع التعينات ورفع حجب الكثرة عن وجه الوحدة الذاتية الا ان ذلك مشروط بشرائط ومربوط بالاسباب فى الصورة الظاهرة ولا تقيد تلك الشرائط والاسباب الا بالجذبة الالهية والدعوة الربانية فمن دعاه وازال الموانع عن طريقه فقد وصل والا فقد انقطع دونه الطريق وبقى متحيرا مبهوتا

داد حق را قابليت شرط نيست بلكه شرط قابليت داد اوست

اللهم ارحمنا فان ذنوبنا قد جلت وحجبنا قد كثفت وحيلنا قد انقطعت وما بقى الا التوفيق منك والعفو والغفران واللطف والكرم والاحسان انك انت المحسن فى كل زمان ومكان