خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ وَٱسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَٱسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ
٦١
-هود

روح البيان في تفسير القرآن

{ والى ثمود } اى وارسلنا الى ثمود وهى قبيلة من العرب سموا باسم ابيهم الاكبر ثمود بن عاد بن ارم بن سام. وقيل انما سموا بذلك لقلة مائهم من الثمد وهو الماء القليل. فى تفسير ابى الليث انما لم ينصرف لانه اسم قبيلة وفى الموضع الذي ينصرف جعله اسما للقوم { اخاهم } اى واحدا منهم فى النسب { صالحا } عطف بيان لاخاهم وهو صالح بن عبيد بن آسف بن ماسخ بن عبيد بن خاور ابن ثمود { قال } استئناف بيانى كأن قائلا قال فما قال لهم صالح ارسل اليهم فقيل قال { يا قوم } [اى قوم من] { اعبدوا الله } وحده لانه { ما لكم من اله غيره } [نيست شمارا معبودى جزوى] { هو } لا غيره لانه فاعل معنوى وتقديمه يدل على القصر { انشأكم } كونكم وخلقكم { من الارض } من لابتداء الغاية اى ابتداء انشاءكم منها فانه خلق آدم من التراب وهو انموذج منطو على جميع ذرياته التى ستوجد الى يوم القيامة انطواء اجماليا لان كل واحد منهم مخلوق من المنى ومن دم الطمث والمنى انما يتولد من الدم والدم انما يتولد من الاغذية وهى اما حيوانية او نباتية والنباتية انما تتولد من الارض والاغذية الحيوانية لا بد ان تنتهى الى الاغذية النباتية المتولدة من الارض فثبت انه تعالى انشأ الكل من الارض { واستعمركم فيها } من العمر يقال عمر الرجل يعمر عمرا بفتح العين وسكون الميم اى عاش زمانا طويلا واستعمره الله اى اطال بقاءه ونظيره بقى الرجل واستبقاه الله من البقاء اى ابقاء الله فبناه استفعل للتعدية. والمعنى عمركم واستبقاكم فى الارض وبالفارسية [وزند كانى وبقاداد شمارا درزمين. درمدارك مذ كورست كه سال عمر هريك از ثمود از سيصد تاهزار بوده] ويجوز ان يكون من العمارة بالفارسية [آبادان كردن].
قال كعب قوله تعالى { واستعمركم فيها } يدل على وجوب عمارة الارض لان الاستعمار طلب العمارة والطلب المطلق منه تعالى يحمل على الامر والايجاب. والمعنى امركم بالعمارة فيها واقدركم على امارتها. كما قال فى الكاشفى [شما قدرت داد برعمارت زمين تامنازل نزه ساختيد وبر حفر انهار وغرس اشجار اشتغال نموديد] { فاستغفروه } فاطلبوا مغفرة الله بالايمان يعنى [ايمان أريد تا شمارا بيامرزد] فان ما فصل من فنون الاحسان داع الى الاستغفار { ثم توبوا اليه } من عبادة غيره لان التوبة لا تصح الا بعد الايمان وقد سبق تحقيق "ثم" هذه غير مرة { ان ربى قريب } اى قريب الرحمة لقوله تعالى
{ { ان رحمة الله قريب من المحسنين } { مجيب } لمن دعاه وسأله
قال سعدى المفتى والذى يلوح للخاطر ان قوله تعالى قريب ناظر لتوبوا ومجيب لاستغفروا اى ارجعوا الى الله فانه قريب ما هو بعيد واسألوا منه المغفرة فانه مجيب لسائله لا يخيبه

محالست اكر سربرين در نهى كه باز آيدت دست حاجت تهى

وحفظ العبد من الاسم المجيب ان يجيب ربه فيما امره ونهاه ويتلقى عباده بلطف الجواب واسعاف السؤال والعبد اذا اجاب ربه فالله تعالى يجيبه كما "قال ابو طالب لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ما اطوع ربك فقال عليه السلام وانت يا عم لو اطعته لاطاعك"
قال حضرة الشيخ الاكبر قدس سره الاطهر الدعاء يوذن بالبعد وهو تعالى يوذن بالبعد وهو تعالى القريب واذا كان القريب فلم تدعو وان سكت قال لك لم لا تدعو هل استكبرت فلم تبق الغبطة الا للاخرس وهو البكم صم بكم عمى طوبى لهم وحسن مآب انتهى.
وهذا وصف العلماء بالله وهم الذين قيل فيهم من عرف الله كل لسانه

جو بيت المقدس درون بر قباب رها كرده ديوار بيرون خراب
بخود سرفروبرده همجون صدف ند ماند زدريا بر آورده كف

واعلم ان عمارة الظاهر بافعال الشريعة من اسباب عمارة الباطن باخلاق الربانية. قال العلماء العمارة متنوعة الى واجب ومندوب ومباح وحرام
فالواجب مثل سد الثغور وبناء القناطر على الانهر المهلكة وبناء المسجد الجامع فى المصر وغير ذلك
والمندوب كبناء القناطر على الانهر الصغيرة والمساجد والمدارس والرباطات ونحو ذلك تيسيرا للناس والمباح كالزوايا والخانقات والبيوت التى تقى الحر والبرد وربما تكون الاخيرة واجبة.
قال فى الاسرار المحمدية الغرض من المسكن دفع المطر والبرد واقل الدرجات فيه معلوم وما زاد عليه فهو من الفضول والاقتصار على الاقل والادنى يمكن فى الديار الحارة واما البلاد الباردة فى غلبة البرد ونفوذه من الجدران الضعيفة حتى كاد يهلك او يمرض فالبناء بالطين واحكامه لا يخرجه عن حد الزاهدين كذا فى ايام لصيف عند اشتداد الحر واستضراره واستضرار اولاده بالبيت الشتوى السفلى لعدم نفوذ الهواء البارد فيه ومن براغيثه فى الليل المزعجات عن النوم وانواع الحشرات فيه فلا يجوز حملهم على الزهد بان يتركهم على هذه الحال بل عليه ان يبنى لهم صيفيا علويا لما روينا عن النبى عليه السلام
"من بنى بنيانا فى غير ظلم ولا اعتداء او غرس غرسا فى غير ظلم ولا اعتداء كان له اجرا جاريا ما انتفع به احد من خلق الرحمن" انتهى
والحرام كابنية الجهلة الذين بنوا للمباهاة وابنية الظلمة وغير ذلك مما ليس به حاجة. وفى الخبر
"من بنى فوق ما يكفيه جاء يوم القيامة وهو حامله على عنقه" وفى الحديث "الدنيا ملعونة ملعون ما فيها الا ما كان منها لله تعالى" وكان ملوك فارس قد اكثروا من حفر الانهار وغرس الاشجار وعمروا الاعمار الطوال مع ما كان فيهم من عسف الرعايا فسأل نبى من انبياء زمانهم ربه عن سبب تعميرهم فاوحى اليه انهم عمروا بلادى فعاش فيها عبادى.
وعن معاوية انه اخذ فى احياء الارض فى آخر امره فقيل له فقال ما حملنى عليه الا قول القائل

ليس الفتى بفتى يستضاء به ولا يكون له فى الارض آثار

والمراد بهذه الآثار ما يتناول العمارة الواجبة والمندوبة: قال سعدى قدس سره

نمرد آنكه ماند بس ازوى بجاى بل ومسجد وخان ومهمان سراى
هر آن كو نماند ازبسش ياد كار درخت وجودش نياورد بار
وكر رفت آثار خيرش نماند نشايد بس از مرك الحمد خواند