خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَآ أَلاَ إِنَّ ثَمُودَ كَفرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْداً لِّثَمُودَ
٦٨
-هود

روح البيان في تفسير القرآن

{ كأن لم يغنوا فيها } اى كأنهم لم يقيموا فى ديارهم ولم يكونوا احياء مترددين متصرفين وهو فى موقع الحال اى اصبحوا جاثمين مماثلين لمن لم يوجد ولم يقم فى مقام قط. والمغنى المنزل والمقام الذى يقيم الحى به يقال غنى الرجل بمكان كذا اى اقام به وغنى اى عاش { ألا } [بدانيد] { ان ثمود كفروا ربهم } جحدوا بوحدانية الله تعالى فهذا تنبيه وتخويف لمن بعدهم { الا بعدا } [دورى وهلاك] { لثمود } فقوله بعدا مصدر وضع موضع فعله فان معناه بعدوا اى هلكوا واللام لبيان من دعى عليهم وفائدة الدعاء عليهم بعد هلاكهم الدلالة على استحقاقهم عذاب الاستئصال بسبب كفرهم وتكذيبهم وعقرهم ناقة الله تعالى
"وعن جابر رضى الله عنه ان رسول الله لما نزل الحجر فى غزوة تبوك قام فخطب الناس فقال يا ايها الناس لا تسألوا نبيكم الآيات هؤلاء قوم صالح سالوا نبيهم ان يبعث لهم الناقة فكانت ترد من هذا الفج فتشرب ماءهم يوم وردها ويحلبون من لبنها مثل الذى كانوا يشربون من مائها يوم غبها فعتوا عن امر ربهم فقال تمتعوا فى داركم ثلاثة ايام وكان وعدا من الله غير مكذوب ثم جاءتهم الصيحة فاهلك الله من كان فى مشارق الارض ومغاربها منهم الا رجلا كان فى حرم الله فمنعه حرم الله من عذاب الله يقال له ابورغال قيل له يا رسول الله من ابو رغال قال ابو ثقيف"
الاشارة فيه انه اشار الى اهلاك النفس وصفاتها بعذاب البعد وصاعقة القهر الا ما كان فى حرم الله تعالى وهو الشريعة يعنى النفس وصفاتها ان لم تكن آمنت ولكن التجأت الى حرم الشريعة آمنت من عذاب البعد فتكون بقدر التجائها فى القرب وجوار الحق وهو الجنة ولهذا قال تعالى للنفس المطمئنة { { فادخلى فى عبادى وادخلى جنتى } كما فى التأويلات النجمية. والناس فى القرب والبعد والسلوك والترك على طبقات. فمنهم من اختار الله له فى الازل البلوغ اليه بلا كسب ولا تعمل فوقع مفطورا على النظر اليه بلا اجتهاد بدفع غيره عن مقتضى قصده. ومنهم من شغلته الاغيار عن الله زمانا فلم يزل فى علاج وجودها بتوفيق الله تعالى حتى افناها ولم يبق له سواه سبحانه. ومنهم من بقى فى الطريق ولم يصل الى المقصد الاقصى لكون نشأته غير حاملة لما اراده. ومنهم من لم يدر ما الطريق وما الدخول فيها فبقى فى مقامه الطبيعى: قال الحافظ

قومى بجدوجهد خريدند وصل دوست قومى دكر حواله بتقدير ميكنند

اما الاول فاخذوا بقوله تعالى { { والذين جاهدوا فينا لنهديهم سبلنا } فالوصل اذا مما للكسب مدخل فيه فيكون كالوزارة الممكن حصولها بالاسباب. واما الثانى فجعلوا الوصل من الاختصاصات الالهية التى ليس للكسب مدخل فيها عند الحقيقة فهو كالسلطنة قال الله تعالى { { قل اللهم مالك الملك تؤتى الملك من تشاء } وقال { { يؤتى الحكمة من يشاء } وقال { { وما يمسك فلا مرسل له } هكذا لاح للخاطر والله اعلم بالبواطن والظواهر