خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَجَآءُوا عَلَىٰ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَٱللَّهُ ٱلْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ
١٨
-يوسف

روح البيان في تفسير القرآن

{ وجاؤا } [آمدند] { على قميصه } محله النصب على الظرفية من قوله { بدم } اى جاؤا فوق قميصه بدم او على الحالية منه والخلاف فى تقدم الحال على المجرور فيما اذا لم يكن الحال ظرفا { كذب } مصدر وصف به الدم مبالغة كأن مجيئهم من الكذب نفسه كما يقال للكذاب هو الكذب بعينه والزور بذاته او مصدر بمعنى المفعول اى مكذوب فيه لانه لم يكن دم.
يوسف وقرأت عائشة رضى الله عنها بغير المعجمة اى كدب بمعنى كدر او طرّى -روى- انهم ذبحوا سخلة ولطخوه بدمها وزل عنهم ان يمزقوه فلما سمع يعقوب بخبر يوسف صاح باعلى صوته فقال اين القميص فاخذه والقاه على وجهه وبكى حتى خضب وجهه بدم القميص قال تالله ما رأيت كاليوم ذئبا احلم من هذا اكل ابنى ولم يمزق عليه قميصه قال كأنه قيل ما قال يعقوب هل صدقهم فيما قالوا فقيل { قال } لم يكن ذلك { بل سولت لكم انفسكم } اى زينت وسهلت قاله ابن عباس رضى الله عنهما. والتسويل تقدير شيء فى الانفس مع الطمع فى اتمامه.
قال الازهرى كان التسويل تفعيل من سؤال الاشياء وهى الامنية التى يطلبها فيزين لطالبها الباطل وغيره { امرا } من الامور منكرا لا يوصف ولا يعرف فصنعتموه بيوسف استدل يعقوب على انهم فعلوا بيوسف ما ارادوا وانهم كاذبون بشيئين بما عرف من حسدهم الشديد وبسلامة القميص حيث لم يكن فيه خرق ولا اثر ناب فقوله بل سولت رد لقولهم اكله الذئب وبل للاعراض عما قبله واثبات ما بعده على سبيل التدارك نحو جاء زيد بل عمرو كما فى بحر العلوم { فصبر جميل } اى فامرى صبر جميل وهو الذى لا شكوى فيه الى الخلق والا فقد قال يعقوب (انما اشكو بثى وحزنى الى الله): قال الكنال الخجندى

بوصل صحبت يوسف عزيز من مشتاب جمال يار نبينى مكر بصبر جميل

قال شيخنا الاجل الاكمل روح الله روحه.
اعلم ان الصبر اذا لم يكن فيه شكوى الى الخلق يكون جميلا واذا كان فيه مع ذلك شكوى الى الخالق يكون اجمل لما فيه من رعاية حق العبودية ظاهرا حيث امسك عن الشكوى الى الخلق وباطنا حيث قصر الشكوى على الخالق والتفويض جميل والشكوى اليه اجمل انتهى: قال الشيخ عمر بن الفارض قدس سره فى تائيته

ويحسن اظهار التجلد للقوى ويقبح العجز عند الاحبة

اى لا يحسن اظهار التجلد والصبر على صدمات المحن مطلقا بل يحسن للاعادى كما اظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم للكفار فى غزواته ومناسكه. واما عند الاحبة فلا يحسن الا العجز لان اظهار التجلد عندهم قبيح جدا كما اظهره سمنون فى بعض مناجاته وقال

وليس لى فى سواك حظ فكيفما شئت فاختبرنى

فادب بتسليط عسر البول عليه فاعترف بعجزه وطاف فى سكك بغداد يستأجر الصبيان ويأمرهم ان ادعو عمكم الكذاب فقير وخسته بدركاهت آمدم رحمى وقال بعضهم الصبر الجميل تلقى البلاء بقلب رحيب ووجه مستبشر.
وقيل لا اعايشكم على كآبة الوجه بل اكون لكم كما شئت وذلك لان الموحد الحقيقى يطوى بساط الوسائط والاسباب فلا يرى التأثير الا من عند الله تعالى فى كل باب مع ان التغافل من اخلاق الكرام والعفو والصفح وقبول العذر من ديدن الاخيار

اقبل معاذير من يأتيك معتذرا ان بر عندك فيما قال او فجرا

{ والله المستعان } اى المطلوب منه العون وهو انشاء الاستعانة المستمرة { على ما تصفون } على اظهار حال ما تصفون من شأن يوسف وبيان كونه كذبا واظهار سلامته كأنه علم منهم الكذب قال تعالى { { سبحان ربك رب العزة عما يصفون
} قال البيضاوى هذه الجريمة كانت قبل استنبائهم ان صح انتهى وذلك لانهم قالوا لا دليل على امتناع صدور الكبيرة من الانبياء قبل الوحى وقوله ان صح يدل على الشك فى صحة استنبائهم واصاب فى ذلك لان الانبياء محفوظون قبل نبوتهم كما انهم معصومون بعدها من الامور الموجبة للنفرة الغير اللائقة بشأنهم وليس همّ يوسف كما سيأتى من قبيل كما صدر من اخوته من الحسد وضربه والقائه فى الجب بالفعل والكذب عمدا من غير تأويل. واما قوله تعالى { { ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب } فلا يدل على نبوة غيره من الاخوان الموجودين اذ يكفى فى اتمام النعمة على آل يعقوب ان لا تنقطع سلسلة النبوة من اعقابهم كما قال تعالى فى كلمة التوحيد كلمة باقية فى عقبه فانه لا ينافى وجود الشرك من بعض الاحفاد كما لا يخفى. وكذا تمثلهم فى صورة الكواكب لا يدل على نبوتهم لانه اذا كان يعقوب بمنزلة الشمس التى تعينه بالنبوة ودعوة الخلق وهدايتهم الى الله تعالى كان اولاده بمنزلة الكواكب التى تتبع الشمس والقمر ولو كان كلهم انبياء لاستدعى ان يكون محبة يعقوب لهم على السوية اى من اول الامر بناء على وراثة كلهم لنبوته. ولما ظهر ما ظهر من تقضيل يوسف عليهم فيوسف من بينهم كشيث من بين بنى آدم عليه السلام هكذا لاح ببال الفقير ايده الله القدير.
وفى الآيات اشارات الى تزوير الحواس والقوى وتلبيسها وتمويهاتها وتخيلاتها الفلسفية وكذباتها وحيلها ومكرها وكيدها وتتوهماتها وتسويلاتها المجبولة عليها وان كانت للانبياء وان الروح المؤيد بنور الايمان يقف على النفس وصفاتها وما جبلت الحواس والقوى عليه ولا يقبل منها تمويهاتها وتسويلاتها ويرىالامور كلها من عند الله واحكامه الازلية فيصبر عليها صبرا جميلا وهو الصبر على ظهور ما اراد الله فيها بالارادة القديمة والتسليم لها والرضى بها وبقوله { والله المستعان على ما تصفون } يشير الى الاستعانة بالله على الصبر الجميل فيما يجرى من قضائه وقدره كذا فى التأويلات النجمية نفعنا الله تعالى بها