خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَقَالَ ٱلَّذِي ٱشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَآ أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَكَذٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي ٱلأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ ٱلأَحَادِيثِ وَٱللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ
٢١
-يوسف

روح البيان في تفسير القرآن

{ وقال الذى اشتراه من مصر } وهو العزيز الذى كان على خزائن مصر وصاحب جنود الملك واسمه قطفير وكان يقال له العزيز.
قال فى القاموس العزيز الملك لغلبته على اهل مملكته ولقب من ملك مصر مع الاسكندرية انتهى.
وبيان كونه من مصر للاشعار بكونه غير من اشتراه من الملتقطين مما ذكر من الثمن البخس كما فى الارشاد.
وقال الكاشفى [وكفت آنكس كه خريد يوسف را ازاهل مصر] يعنى عزيز انتهى.
وكان الملك يومئذ الريان بن الوليد من العماليق مات فى حياة يوسف بعد ان آمن به وملك بعده قابوس بن مصعب فدعاه الى الاسلام فابى.
قال فى القاموس قابوس ممنوع للعجمة والمعرفة معرب كاووس انتهى وهذا غير قابوس الذى قيل فى خطه هذا خط قابوس ام جناح طاووس فانه كان ملكا عظيما مات فى ثلاث واربعمائة كما فى الروضة. وكان فرعون موسى من اولاد فرعون يوسف فقوله تعالى
{ { ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات } من قبيل خطاب الاولاد باحوال الآباء.
قال الكاشفى [جون خبر كاروان مدين بمصر آمد وكماشتكان عزيز بسرراه كاروان آمده يوسف را ديدند ازلمعه جمال او شيفته وحيران بازكشته خبر بعزيز مصر بردند واو عاشق يوسف بود از كوش]

والاذن تعشق قبل العين احيانا

فالتمسوا من مالكه عرض يوسف للبيع فزينه واخرجه الى السوق فلما رآه اهل مصر افتتنوا به

اراسته آن يارنبا زار بر آمد فرياد وفغان ازدر وديوار برآمد

وعرض فى بيع من يزيد ثلاثة ايام فزاد الناس بعضهم على بعض حتى بلغ ثمنه شيئا لا يقدر عليه احد

خريداران ديكر لب به بستند بس زانوى خاموشى نشستند

فاشتراه عزيز مصر بوزنه مرة مسكا ومرة لؤلؤا ومرة ذهبا ومرة فضة ومرة حريرا وكان وزنه اربعمائة رطل -وحكى- ان عجوزا احضرت شيئا من الغزل وارادت ان تشترى به يوسف والى هذا يشير المولى الجامى بقوله

بى سر عرفان متن تار فكرت خريدار يوسف مشوزين كلابه

وفيه اشارة الى انه ينبغى لكل احد بذل ما فى ملكه مما قدر عليه فى طريق المطلوب فانه من علامات العاشق

هركسى ازهمت والاى خويش سود برد درخوركالاى خويش

وكان سن يوسف اذ ذاك سبع عشرة سنة واقام فى منزل العزيز مع ما مر عليه من مدة لبثه فى السجن ثلاث عشرة سنة واستوزره الريان وهو ابن ثلاثين وآتاه الله العلم والحكمة وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة وتوفى وهو ابن مائة وعشرين سنة وهو اول من عمل القراطيس { لامرأته } اللام المتعلقة بقال لا باشترى اى قال لامرأته راعيل بنت رعاييل او بنت هيكاهروان كما فى التبيان ولقبها زليخا بضم الزاى المعجمة وفتح اللام كما فى عين المعانى والمشهور فى الالسنة فتح الزاى وكسر اللام { اكرمى مثواه } اجعلى محل اقامته كريما حسنا مرضيا والمعنى احسنى تعهده فى المطعم والمشرب وغيرهما فهو كناية عن اكرام نفسه واحسان تعهده كما يقال المقام العالى ويكنى عن السلطان.
قال الامام الغزالىرحمه الله يكنى عن الشريف بالجناب والحضرة والمجلس فيقال السلام على حضرته المباركة ومجلسه الشريف والمراد به السلام عليه لكن يكنى عنه بما يتعلق به نوع التعلق اجلالا انتهى { عسى ان ينفعنا } فيما نحتاج اليه ويكفينا بعض المهمات. وبالفارسية [شايد آنكه سود رساند مارا دركار ضياع وعقار وسر انجام مصالح روز كارما] { او نتخذه ولدا } اى نتبناه ونقيمه مقام الولد وانه لم يكن لها ولد وقد تفرس فيه الرشد فقال ذلك ولذلك قيل افرس الناس ثلاثة عزيز مصر وابنة شعيب التى قالت
{ { يا ابت استأجره } وابو بكر استخلف عمر رضى الله عنه ان تفرس فى عمرو ولاه من بعده { وكذلك مكنا ليوسف فى الارض } اى جعلنا له فيها مكانا والمراد ارض مصر وهى اربعون فرسخا فى اربعين فرسخا وذلك اشارة الى مصدر الفعل المؤخر على ان يكون عبارة عن التمكين فى قلب العزيز او فى منزله وكون ذلك تمكينا فى الارض بملابسة انه عزيز فيها لا عن تمكين آخر يشبه به فالكاف مقحم للدلالة على فخامة شأن المشار اليه اقحاما لا يترك فى لغة العرب ولا فى غيرها ومن ذلك قولهم مثلل لا يبخل اى مثل ذلك التمكين البديع مكنا ليوسف فى الارض وجعلناه محبا فى قلب العزيز ومكرما فى منزله ليترتب عليه ما ترتب بما جرى بينه وبين امرأة العزيز { ولنعلمه من تأويل الاحاديث } اى نوفقه لتعبير بعض المنامات التى عمدتها رؤيا الملك وصاحبى السجن لقوله تعالى { { ذلكما مما علمنى ربى } فيؤدى ذلك الى الرياسة العظمى.
وفى تفسير ابى الليث من تأويل الاحاديث يعنى عبير الرؤيا وغير ذلك من العلوم { والله غالب على امره } الهاء راجعة الى الله اى على امر نفسه لا يرده شيء ولا ينازعه احد فيما شاء ويحكم فى امر يوسف وغيره بل انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون { ولكن اكثر الناس لا يعلمون } ان الامر كذلك فيأتون ويذرون زعما منهم ان لهم من الامر شيئا وانى لهم ذلك

بود هركسى را دكر كونه راى نباشد مكر آنجه خواهد خداى

وجاء فى بعض الآثار ان الله تعالى يقول "ابن آدم تريد واريد ولا يكون الا ما اريد فان سلمت لى فيما اريد اعطيتك ما تريد وان نازعتنى فيما اريد اتعبتك فيما تريد ثم لا يكون الا ما اريد" فالادب مع الله تعالى ان يستسلم العبد لما اظهره الله تعالى فى الوقت ولا يريد احداث غيره
وفى التأويلات النجمية لما اخرجوه من جب الطبيعة ذهبوا به لى مصر الشريعة { وقال الذى اشتراه من مصر } وهو عزيز مصر الشريعة اى الدليل والمربى على جادة الطريقة ليوصله الى عالم الحقيقة { لامرأته } وهى الدنيا { اكرمى مثواه } اخدمى له فى منزل الجسد بقدر حاجته الماسة { عسى ان ينفعنا } حيث يكون صاحب الشريعة وملكا من ملوك الدنيا يتصرف فينا با كسير النبوة فتصير الشريعة حقيقة والدنيا آخرة { او نتخذه ولدا } نربيه بلبان ثديى الشريعة والطريقة والفطام عن الدنيا الدنية { وكذلك مكنا ليوسف فى الارض } يشير الى تميكن يوسف القلب فى ارض البشرية انما هو ليعلم علم تأويل الرؤيا وهو علم النبوة كما قال { ولنعلمه من تأويل الاحاديث } فكما ان الثمرة على الشجرة انما تظهر اذا كان اصل الشجرة راسخا فى الارض فكذلك على شجرة القلب انما تظهر ثمرات العلوم الدينية والمشاهدة الربانية اذا كان قدم القلب ثابتا فى طينة الانسانية { والله غالب على امره } بمعنيين احدهما. ان يكون الله غالبا على امر القلب اى يكون الغالب على امره ومحبة الله وطلبه والثانى ان يكون الغالب علىامر القلب جذبات العناية لتقيمه على صراط مستقيم الفناء منه والبقاء بالله فيكون تصرفاته بالله ولله وفى الله لانه باق بهويته فانى عن انانية نفسه { ولكن اكثر الناس لا يعلمون } انهم خلقوا مستعدين لقبول هذه الكمالية يصرفون استعدادهم فيما يورثهم النقصان والخسران انتهى ما فى التأويلات.
ثم ان الله تعالى مدح العلم فى هذه الآية وذم الجهل. اما الاول فلان الله تعالى ذكر العلم فى مقام الامتنان حيث قال { ولنعلمه } واما الثانى فلانه قال { ولكن اكثر الناس لا يعلمون } وعلم منه ان اقلهم يعلمون. والعلم علمان على الشريعة وعلم الحقيقة ولكل منهما فضل فى مقامه وفى الخبر
"قيل يا رسول الله أى الاعمال افضل فقال العلم بالله قيل أى الاعمال يزيد مرتبة قال العلم بالله فقيل نسأل عن العمل تجيب عن العلم فقال ان قليل العمل ينفع مع العلم وان كثير العمل لا ينفع مع الجهل" والعلم بالله لا يتيسر الا بتصفية الباطن وتجلية مرآة القلب وكان مطمح نظر الاكابر فى اصلاح القلوب والسرائر دون القوالب والظواهر لان الظواهر مظهر نظر الخلق والبواطن مظهر نظر الحق واصلاح ما يتعلق بالحق اولى من اصلاح ما يتعلق بالخلق

كعبه بنياد خليل آز رست دل نظركاه جليل اكبرست

نسأل الله التوفيق