خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذٰلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ
٢٢
-يوسف

روح البيان في تفسير القرآن

{ ولما بلغ } يوسف { اشده } قال فى القاموس اى قوته وهو ما بين ثمانى عشرة سنة الى ثلاثين. واحد جاء على بناء الجمع كأنك ولا نظير لهما او جمع لا واحد له من لفظه.
وقال اهل التفسير اى منتهى اشتداد جسمه وقوته واستحكام عقله وتمييزه وهو سن الوقوف ما بين الثلاثين الى الاربعين.
والعقلاء ضبطوا مراتب اعمار الناس فى اربع. الاولى سن النشور والنماء ونهايته الى ثلاثين سنة. والثانية سن الوقوف وهو سن الشباب ونهايته الى ان تتم اربعون سنة من عمره. والثالثة سن الكهولة وهو سن الانحطاط اليسير الخفى وتمامه الى ستين سنة. والرابعة سن الشيخوخة وهو سن الانحطاط العظيم الظاهر وتمامه عند الاطباء الى مائة وعشرين سنة. والاشد غاية الوصول الى الفطرة الاولى بالتجرد عن غواشى الخلقة التى يسميها الصوفية بمقام الفتوة.
قال فى التعريفات الفتوة فى اللغة والسخاء والكرم وفى اصطلاح اهل الحقيقة هى ان تؤثر الخلق على نفسك بالدنيا والآخرة { آتيناه حكما } كمالا فى العلم والعمل استعد به الحكم بين الناس بالحق ورياستهم.
قال القشيرى من جملة الحكم الذى آتاه الله نفوذ حكمه على نفسه حتى غلب شهوته فامتنع عما راودته زليخا عن نفسه ومن لا حكم له عل نفسه لم ينفذ حكمه على غيره.
قال الامام نقلا عن الحسن كان نبيا من الوقت الذى القى فيه فى غيابة الجب لقوله تعالى { ولما بلغ اشده آتيناه } واذا لم يقل ههنا ولما بلغ اشده واستوى كما قال فى قصة موسى لان موسى اوحى اليه عند منتهى الاشد الاستواء وهو اربعون سن واوحى الى يوسف عند اوله وهو ثمان عشرة سنة { وعلما } قالوا المراد من الحكم الحمكة العملية ومن العلم الحكمة النظرية وذلك لان اصحاب الرياضات والمجاهدات يصلون اولا الى الحكمة العملية ثم يترقون منها الى الحكمة النظرية. واما اصحاب الافكار والانظار العقلية فانهم يصلون اولا الى الحكمة النظرية ثم ينزلون منها الى الحكمة العملية وطريقة يوسف عليه السلام هى الاول لانه صبر على المكاره والبلاء والمحن ففتح الله له ابواب المكاشفات: قال الحافظ

مكن زغصه شكايت طكه در طريق طلب براحتى نرسيد آنكه زحمتى نكشيد

وقال

جه ورها كه كشيدند بلبلان ازدى ببوى آنكه دكر نوبهار باز آمد

والحاصل ان طريقة يوسف طريقة السالك المجذوب لا طريقة المجذوب السالك والاولى هى سنة الله الغالبة فى انبيائه واوليائه ففى قوله { حكما وعلما } اشارة الى استكمال النفس فى قوتها العملية والنظرية.
وعن الحسن من احسن عبادة ربه فى شبيبته آتاه الله الحكمة فى اكتهاله وفيه اشارة الى ان المطيع تفتح له ينابيع الحكمة وتنبيه على ان العطية الالهية تصل الى العبد وان طال العهد اذا جاء اوانها فلطالب الحق ان ينتظر احسان الله تعالى ولا ييأس منه وفى الحديث
"افضل اعمال امتى انتظارهم فرج الله"
قال النصر لما عقل يوسف عن الله او امره ونواهيه واستقام معه على شروط الادب اعطاه حكما على الغيب فى تعبير الرؤيا وعلما بنفسه فى مخالفة هواها.
قال بعض الاكابر الكمال العلمى افضل من الكمال العملى والتقصير من جهة العلم اشد من التقصير من جهة العمل فان حسن العقيدة وصفاء القريحة بسبب العلم والكمال ولشرفه امر الله تعالى سيد الانبياء صلوات الله عليه وعليهم وسلامة بطلب الزيادة منه فقال
{ { وقل رب زدنى علما } وقد ذكر اهل الاشارة ان آدم عليه السلام وصل الى رياسة سجود الملائكة بعلم الاسماء وسليمان الى الملك العظيم بالفهم وعلم منطق الطير ويوسف الى النجاة والشرف والعز بعلم التعبير فالعالم بعلم التوحيد كيف لا ينجو من الجحيم وينال شرف لقاء الله تعالى فى دار النعيم { وكذلك } اى مثل الجزاء العجيب الذى جزينا يوسف { نجزى المحسنين } كل من يحسن فى عمله وفى تعليق الجزاء المذكور وبالمحسنين اشعار بعلية الاحسان له وتنبيه على انه سبحانه انما آتاه الحكم والعلم لكونه محسنا فى اعماله متقيا فى عنفوان امره هل جزاء الاحسان الا الاحسان.
قال بعض الاكابر نجزى المحسنين الذين يحسنون لانفسهم فى الطلب والارادة والاجتهاد والرياضة فمن ادخل نفسه فى زمرة اهل الاحسان جزاه الله باحسن الجزاء واحبه كما قال الله تعالى
{ { والله يحب المحسنين } فمن احبه الله نال سعادة الدارين وفى الحديث "اذا احب الله العبد نادى جبريل ان الله يحب فلانا فاحبه فيحبه جبريل فينادى فى اهل السماء ان الله يحب فلانا فاحبوه فيحبه اهل السماء ثم يوضع له القبول فى اهل الارض"
وفى التأويلات النجمية { ولما بلغ } يوسف القلب { اشده } مبلغ كمالية استعداده لقبول فيض الالوهية { آتيناه حكما وعلما } افضنا عليه سجال الحكمة الآلهية والعلم اللدنى وكما افضنا على القلب ما هو مستحقه من الحكمة والعلم بفضلنا { و } كرمنا { كذلك نجزى المحسنين } الاعضاء الرئيسة والجوارح اذا احسنوا الاعمال والاخلاق على قاعدة الشريعة والطريقة خير الجزاء وهو التبليغ الى مقام الحقيقة انتهى.
ثم ان الجزاء ينبغى ان يكون مترتبا على انقضاء العمل فتارة يظهر بعد تمام الاعمال كلها وتارة يظهر لكل عمل منقض جزاء وهكذا الى الوصول الى غاية الاجزية فعلم تعبير رؤيا الملك وصاحبى السجن اوتى يوسف فى السجن وتمامه مع انضمام العلوم الكلية بعد انتهاء الابتلاء فافهم المقام وكن على بصيرة من ادراك دقائق الكلام