خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا ذٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّيۤ إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ
٣٧
-يوسف

روح البيان في تفسير القرآن

{ قال } يوسف اراد ان يدعو الفتيين الى التوحيد الذى هو اولى بهما واوجب عليهما مما سألا منه ويرشدهما الى الايمان ويزينه لهما قبل ان يسعفهما بذلك كما هو طريقة الانبياء والعلماء الصالحين فى الهداية والارشاد والشفقة على الخلق فقدم ما هو معجزة من الاخبار بالغيب ليدلهما على صدقه فى الدعوة والتعبير { لا يأتيكما طعام ترزقانه } تطعمانه فى مقامكما هذا حسب عادتكما المطردة { إلا نبأتكما بتأويله } استثناء مفرغ من اعم الاحوال اى لا يأتيكما طعام فى حال من الاحوال الا حال ما نبأتكما به بان بنيت لكما ماهيته من أى جنس هو ومقداره وكيفيته من اللون والطعم وسائر احواله واطلاق التأويل عليه بطريق الاستعارة فان ذلك بالنسبة الى مطلق الطعام المبهم بمنزلة التأويل بالنظر الى ما رؤى فى المنام وشبيه له { قبل ان يأتيكما } قبل ان يصل اليكما وكان يخبر بما غاب مثل عيسى عليه السلام كما قال { { وانبئكم بما تأكلون وما تدخرون فى بيوتكم } : وفى المثنوى

اين طبيبان بدن دانشورند برسقام تو زتو واقفترند
تاز قاروره همى بنند حال كه ندانى توازان رو اعتدال
هم زنبض وهم زرنك وهم زدم بوبرند ازتو بهر كونه سقم
بس طبيبان الهى درجهان جون ندانند از توبى كفت دهان
هم زنبضت هم زجمشت هم زرنك صد سقم بينند درتو بى درنك
اين طبيبان نوآموزند خود كه بدين آياتشان حاجت بود
كاملان ازدور نامت بشنوند تابقعر تارو بودت درروند
بلكه بيش اززادن توسالها ديده باشندت ترا باحالها

{ ذلكما } اى ذلك التأويل والاخبار بالمغيبات ايها الفتيان { مما علمنى ربى } بالوحى والالهام وليس من قبل التكهن والتنجم وذلك انه لما نبأهما بما يحمل اليهما من الطعام فى السجن قبل ان يأتيهما ويصفه لهما ويقول اليوم يأتيكما طعام من صفته كيت وكيت وكم تأكلان فيجدان كما اخبرهما قالا هذا من فعل العرافين والكهان فمن اين لك هذا العلم فقال ما انا بكاهن وانما ذلك العلم ما علمنى ربى وفيه دلالة على ان له علوما جمة ما سمعناه قطعة من جملتها وشعبة من دوحتها وكأنه قيل لماذا علمك ربك تلك العلوم البديعة فقيل { انى } اى لانى { تركت } رفضت { ملة قوم } أى قوم كان من قوم مصر وغيره { لا يؤمنون بالله } والمراد بتركها الامتناع عنها رأسا لا تركها بعد ملامستها وانماعبر عنه بذلك لكونه ادخل بحسب الظاهر فى اقتدائهما به عليه السلام { وهم بالآخرة } وما فيها من الجزاء { هم كافرون } على الخصوص دون غيرهم لافراطهم فى الكفر.
قال فى بحر العلوم هذاالتعليل من ابين دليل على ان افعال الله معللة بمصالح العباد كما هو راى الحنفية مع ان الاصلح لا يكون واجبا عليه قالوا وما ابعد عن الحق قول من قال انها غير معللة بها فان بعثة الانبياء لاهتداء الخلق واظهار المعجزات لتصديقهم وايضا لو لم يفعل لغرض يلزم العبث تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا انتهى.
قال فى التأويلات النجمية يعنى لما تركت هذه الملة علمنى ربى وفيه اشارة الى ان القلب مهما ترك ملة النفس والهوى والطبيعة علمه الله علم الحقيقة وملتهم انهم قوم لا يؤمنون بالله لا النفس تدعى الربوبية كما قال نفس فرعون انا ربكم الاعلى والهوى يدعى الالوهية كما قال تعالى
{ { أفرأيت من اتخذ الهه هواه } والطبيعة هى التى ضد الشريعة