خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ يٰأَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ
٤
-يوسف

روح البيان في تفسير القرآن

{ اذ قال يوسف } اى اذكر يا محمد وقت قول يوسف وهو اسم عبرى ولذا لم ينصرف للعجمة والتعريف ولو كان عربيا لانصرف والعبرى والعبرانى لغة ابراهيم عليه السلام كما ان السريانى هى اللغة التى تكلم بها آدم عليه السلام.
قال السيوطى السريانى منسوب الى سريانة وهى ارض الجزيرة التى كان نوح وقومه قبل الغرق فيها وكان لسانهم سريانيا الا رجلا واحدا يقال له جرهم وكان لسانه عربيا.
قال فى انوار المشارق من اللطائف الاتفاقية ان الاسف فى اللغة الحزن والاسيف العبد وقد اتفق اجتماعهما فى يوسف { لابيه } يعقوب بن اسحاق بن ابراهيم.
قال بعض من مال الى الاشتقاق فى هذه الاسماء انما سمى يعقوب لان يعقوب وعيصا كانا توأمين فاقتتلا فى بطن امهما حيث أراد يعقوب ان يخرج فمنعه عيص وقال لئن خرجت قبلى لاعترضن فى بطن امى فلا قتلنها فتأخر يعقوب فخرج عيص فاخذ يعقوب بعقب عيص فخرج بعده فلذا سمى به وسمى الآخر عيصا لما عصى وخرج قبل يعقوب وكان عيص رجلا اشعر وكان يعقوب اجرد وكان عيص احبهما الى ابيه وكان يعقوب احبهما الى امه وكان عيص صاحب صيد وكان يعقوب صاحب غنم فلما كبر اسحاق وعمى قال لعيص يوما يا بنى اطعمنى لحم صيد واقترب منى ادع لك بدعاء دعالى به ابى هو دعاء النبوة وكان لكل نبى دعوة مستجابة وآخر رسولنا صلى الله عليه وسلم دعاءه للشفاعة العظمى يوم القيامة فخرج عيص لطلب صيد فقالت امه ليعقوب يا بنى اذهب الى الغنم فاذبح منها شاة ثم اشوها والبس جلدها وقدمها الى ابيك قبل اخيك وقال له انا ابنك عيص يدعو لك ما وعده لاخيك فلما جاء يعقوب بالشواء قال يا ابت كل قال من انت قال ابنك عيص فمسه فقال المس مس عيص والريح ريح يعقوب.
يقول الفقير والاسلم ان يقال ان امه احضرت الشواء بين يدى اسحاق وقالت ان ابنك جاءك بشواء فادع له فظن اسحاق انه عيص فاكل منه ثم دعا لمن جاء به ان يجعل الله فى ذريته الانبياء والملوك فذهب يعقوب ولما جاءه عيص قالت يا ابت قد جئتك بالصيد الذى اردت فعلم اسحاق الحال وقال يا بنى قد سبقك اخوك ولكن بقيت لك دعوة فهلم ادعو لك بها فدعا ان يكون ذريته عدد التراب فاعطى الله له نسلا كثيرا وجملة الروم من ولده روم وكان اسحاق متوطنا فى كنعان واسماعيل مقيما فى مكة فلما بلغ اسحاق الى مائة وثمانين من العمر وحضرته الوفاة وصى سرا بان يخرج يعقوب الى خاله فى جانب الشام حذرا من ان يقتله اخوه عيص حسدا لانه اقسم بالله فى قصة الشواء ان يقتل يعقوب فانطلق الى خاله ليا بن ناهز واقام عنده وكان لخاله بنتان احداهما لايا وهى كبراهما والاخرى راحيل وهى صغراهما فخطب يعقوب الى خاله بان يزوجه احداهما فقال له خاله هل هلك مال قال لا ولكن اعمل لك فقال نعم صداقها ان تخدمنى سبع سنين فقال يعقوب اخدمك سبع سنين على ان تزوجنى راحيل قال ذلك بينى وبينك فرعى له يعقوب سبع سنين فزوجه الكبرى وهى لايا قال له يا يعقوب انك خدعتنى انما اردت راحيل فقال له خاله انا لا ننكح الصغيرة قبل الكبيرة فهلم فاعمل سبع سنين اخرى فازوجك اختها وكان الناس يجمعون بين الاختين الى ان بعث الله موسى عليه السلام فرعى له سبع سنين اخرى فزوجه راحيل فجمع بينهما وكان خاله حين جهزها دفع الى كل من واحدة منهما امة تخدمها اسم احداهما زلفة والاخرى بلهة فوهبتا الامتين ليعقوب فولدت لايا ستة بنين وبنتا واحدة روبيل. شمعون. يهودا. لاوى. يسجر. زيالون. دنية
وولدت زلفة ابنين دان. يغثالى
وولدت بلهة ايضا ابنين جاد. آشر وبقيت راحيل عاقرا سنين ثم حملت وولدت يوسف وليعقوب من العمر احدى وتسعون سنة واراد يعقوب ان يهاجر الى موطن ابيه اسحاق بكل الحواشى وكان ليوسف خال له اصنام من ذهب فقالت لايا ليوسف اذهب واسترق منه صنما لعلنا نستنفق منه فذهب يوسف فأخذ صنما.
يقول الفقير والاسلم ان خاله وهو ابو امرأته جهزه كما فى بعض الكتب فخرج وقد رفع الله ما فى قلب عيص من العداوة

كفر ايمان كشت وديواسلام يافت آن طرف كان نور بى اندازه يافت

فلما التقيا تعانقا وكانا على المصافاة وفى سنة الهجرة حملت راحيل بنيامين وماتت فى نفاسها ويوسف ابن سنتين وكان احب الاولاد الى يعقوب وحين صار ابن سبع سنين رأى فى المنام ان احدى عشرة عصا طوالا كانت مركوزة فى الارض كهيئة الدائرة واذا عصا صغيرة تثب عليها حتى اقتلعتها وغلبتها فوصف ذلك لابيه فقال اياك ان تذكر هذا لاخوتك ثم رأى ليلة الجمعة وكانت ليلة القدر وهو ابن ثنتى عشرة سنة او سبع عشرة ما حكى الله تعالى عنه بقوله { يا ابت } [كويند يوسف دركنار بدر در خواب بود ناكاه سراسيمه از خواب در آمد بس يعقوب كفت اى بسر تراجه رسيد كفت] يا ابت واصله يا ابى فعوض عن الياء تاء التأنيث لتناسبهما فى ان كل واحدة زيادة مضمومة الى آخر الاسم او لان التاء تدل فى بعض المواضع على التفخيم كما فى علامة ونسابة والاب والام مظنتا التفخيم كما اختاره الرضى. والمعنى بالفارسية [اى بدر خواب عجب ديدم] { انى رأيت } فى المنام فهو من الرؤيا لا من الرؤية لقوله { { لا تقصص رؤياك
} قال فى الكواشى الرؤيا فى المنام والرؤية فى العين والرأى فى القلب { احد عشر كوكبا والشمس والقمر } [ومن برسر كوهى بلند بودم كه حوالئ او نهار جارى واشجار سبزبود] وعطف الشمس والقمر على كوكبا تخصيصا اى لاظهار شرفهما على سائر الطوالع كعطف الروح على الملائكة ثم استأنف على تقدير كيف رأيت فقال { رأيتهم لى ساجدين } [اين ستار كان وتيرين فرود آمدند ومن در ايشان نكرستم ديدم مرا سجود كنند كان] اى سجدة تحية لا سجدة عبادة.
قال ابن الشيخ لفظ السجود يطلق على وضع الجبهة على الارض سواء كان على وجه التعظيم والاكرام او على وجه العبادة ويطلق ايضا علىالتواضع والخضوع وانما اجريت مجرى العقلاء فى الضمير لوصفها بوصف العقلاء اعنى السجود -
"روى - عن جابر ان يهوديا جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اخبرنى يا محمد عن النجوم التى رآهن يوسف فسكت النبى عليه الصلاة والسلام فنزل جبريل فاخبره بذلك فقال عليه السلاماذا اخبرتك بذلك هل تسلم قال نعم قال عليه السلام جريان والطارق والذيال وقابس وعمودان والفليق والمصبح والضروح والفرغ ووثاب وذو الكفتين رآها يوسف والشمس والقمر نزلن من السماء وسجدن له فقال اليهودى اى والله انها لا سماؤها"
واعلم ان يوسف رأى اخوته فى صورة الكواكب لانه يستضاء بالاخوة ويهدى كما يهدى بالكواكب ورأى اباه وخالته ليا فى صورة الشمس والقمر وانما قلنا خالته لان امه ماتت فى نفاس بنيامين كما مر وسجودهم له دخولهم تحت سلطنته وانقيادهم كما سيأتى فى آخر القصة. قال فى الارشاد ولا يبعد ان يكون تاخير الشمس والقمر اشارة الى تأخر ملاقاته لهما من ملاقاته لاخوته.
والاشارة بالاحد عشر كوكبا الى الحواس الخمس الظاهرة من السمع والبصر والشم والذوق واللمس والقوى الست الباطنة من المفكرة والمذكرة والحافظة والمخيلة والواهمة والحس المشترك فان كل واحدة ومن هذه الحواس والقوى كوكب مضيء يدرك به معنى مناسب له وهو اخوة يوسف القلب لانهم تولدوا بازدواج يعقوب والروح واحيل النفس كلهم بنوا اب واحد
والاشارة بالشمس والقمر الى الروح والنفس ومقام كمالية الانسان ان يكون للقلب سلطان يسجد له الروح والنفس والحواس والقوى كما سجد الملائكة لآدم اى تنقاد وتصير مسخرة مقهورة تحت يده وهذا هو الفتح المطلق الى اشارت اليه سورة النصر وليس لوارث هذا المقام بقاء فى الدنيا غالبا اى بعد ان تحقق بحقيقته فافهم جدا وكان شيخنا الاجل الا كمل من هذا القسم روح الله روحه وافاض علينا فتوحه وهم يختارون المقام عند ربهم اذا وصلوا الى نهاية مطالبهم كما قال المولى الجامى

اكركنند بمن عرض دنيى وعقبى من آستان تربرهرد وجاى بكزينم

والموت انسب لكونهم فى مقام العندية لكون التفصيل البرزخى اكثر من التفصيل الدنيوى والا فهم ليسوا فى الدنيا ولا فى العقبى فى حياتهم ومماتهم.
ثم اعلم ان الرؤيا عبارة عن ارتسام صورة المرئى وانتقاشها فى مرآة القلب فى النوم دون اليقظة فالرؤيا من باب العلم ولكل علم معلوم ولكل معلوم حقيقة وتلك الحقيقة صورته والعلم عبارة عن وصول تلك الصورة الى القلب وانطباعها فيه سواء كان فى النوم او فى اليقظة فلا محل له غير القلب ولما كان عالم الروح متقدما بالوجود والمرتبة على عالم الاجسام وكان الامداد الربانى الواصل الى الاجسام موقوفا على توسط الارواح بينها وبين الحق وتدبير الاجسام مفوض الى الارواح وتعذر الارتباط بين الارواح والاجسام للمباينة الذاتية الثابتة بين المركب البسيط فان الاجسام كلها مركبة والارواح بسيطة فلا مناسبة بينهما فلا ارتباط وما لم يكن ارتباط لا يحصل تأثير ولا تأثر ولا امداد ولا استمداد فلذلك خلق الله عالم المثال برزخا جامعا بين عالم الارواح وعالم الاجسام ليصح ارتباط احد العالمين بالآخر فيتأتى حصول التأثر والتأثير ووصول الامداد والتدبير وهكذا شان روح الانسان مع جسمه الطبيعى العنصرى الذى يدبره ويشتمل عليه علما وعملا فانه لما كانت المباينة ثابتة بين روحه وبدنه وتعذر الارتباط الذى يتوقف عليه التدبير ووصول المدد اليه خلق الله نفسه الحيوانية برزخا بين البدن والروح المفارق فنفسه الحيوانية من حيث انها قوة معقولة هى بسيطة تناسب الروح المفارق ومن حيث انها مشتملة بالذات على قوى مختلفة متكثرة منبثة فى اقطار البدن متصرفة بتصرفات مختلفة ومحمولة ايضا فى البخار الضبابى الذى فى التجويف الايسر من القلب الصنوبرى تناسب المزاج المركب من العناصر فحصل الارتباط والتأثر والتأثير وتأتى وصول المدد.
واذا وضح هذا فاعلم ان القوة الخالية التى فى نشأة الانسان من كونه نسخة من العالم بالنسبة الى العالم المثالى المطلق كالجزء بالنسبة الى الكل وكالجدول بالنسبة الى النهر الذى هو مشرعه وكما ان طرف الجدول الذى يلى النهر متصل به كذلك عالم الخيال الانسانى من حيث طرفه الاعلى متصل بعالم المثال.
والمثال نوعان مطلق ومقيد. فالمطلق ما حواه العرش المحيط من جميع الآثار الدنيوية والاخروية. والمقيد نوعان نوع هو مقيد بالنوع ونوع غير مقيد بالنوم مشروط بحصول غيبة وفتور ما فى الحس كما فى الواقعات المشهورة للصوفية واول ما يراه الانبياء عليهم السلام انما هو الصور المثالية المرئية فى النوم والخيال ثم يترقون الى ان يروا الملك فى المثال المطلق او المقيد فى غير حال النوم لكن مع نوع فتور فى الحس وكونهم ماخوذين عن الدنيا عند نزول الوحى انما هو مع بقاء العقل والتمييز ولذا لا ينتقض حينئذ وضوؤهم ولانهم تنام اعينهم ولا تنام قلوبهم لكون بواطنهم محلاة بصفات الله متخلقة باخلاقه مطهرة عن اوصاف البشرية من الحرص والعجز والامل والضعف وغير ذلك مما فيه نقص ظاهرة بالاضافة الى ذروة الكمال فضلا عن النوم لان النوم عجز وضعف وآفة ولو حلت الآفة قلب النبى لجاز ان يحله سائر الآفات من توهم فى الوحى وغفلة عنه وسآمة منه وفزع يمنعه عن واجب عليه.
قال بعضهم ان الله قد وكل بالرؤيا ملكا يضرب من الحكمة الامثال وقد اطلعه الله سبحانه على قصص ولد آدم من اللوح المحفوظ فهو ينسخ منها ويضرب لكل قصة مثلا فاذا نام يمثل له تلك الاشياء على طريق الحكمة لتكون بشارة له او نذارة او معاتبة ليكونوا على بصيرة من امرهم وفى شرح الشرعة ان اللوح المحفوظ فى المثال كمرآة ظهر فيها الصور ولو وضع مرآة فى مقابلة اخرى ورفع الحجاب بينهما كانت صورة تلك المرآة تتراءى فى تلك والقلب مرآة تقب رسوم العلوم واشتغاله بشهواته ومقتضى حواسه كأنه حجاب مرسل بينه وبين مطالعة اللوح الذى هو من عالم الملكوت فان هبت ريح الرحمة حرك هذا الحجاب ورفع فيتلألأ فى مرآة القلب شيء من عالم الملكوت كالبرق الخاطف وقد يثبت ويدوم وما دام متيقظا فهو مشغول بما يورده الحس عليه من عالم الشهادة الا من شاء الله تعالى من المؤيدين من عند الله تعالى فاذا ركدت الحواس عند النوم وتخلص القلب من شغلها ومن الخيال وكان صافيا فى جوهوه وارتفع الحجاب وقع فى القلب من اللوح بحسب صفاته الا ان النوم لا يمنع الخيال عن عمله وحركته فما وقع فى القلب من اللوح يبتدره الخيال فيحاكيه بمثال يقاربه وتكون التخيلات اثبت فى الحفظ من غيرها فاذا انتبه من النوم لا يتذكر الا الخيال فيحتاج الرائى الى معبر لينظر بفراسته ان هذا الخيال حكاية أى معنى من المعانى ولهذا السرّ كان من السنة لمن يرى فى منامه شيئا ان يقصه على عالم ناصح
والرؤيا ثلاثة. احدها حديث النفس كمن يكون فى امره او حرفة يرى نفسه فى ذلك الامر وكالعاشق يرى معشوقه ونحو ذلك. وثانيها تخويف الشيطان بان يلعب بالانسان فيريه ما يحزنه ومن لعبه به الاحتلام الموجب للغسل وهذان لا تأويل لهما. وثالثها بشرى من الله تعالى بان يأتيك ملك الرؤيا من نسخة ام الكتاب يعنى من اللوح المحفوظ وهو الصحيح وما سوى ذلك اضغاث احلام