خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَآءً سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمْ مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ ٱلْحُكْمُ إِلاَّ للَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ
٤٠
-يوسف

روح البيان في تفسير القرآن

{ ما تعبدون } الخطاب لهما ولمن على دينهما { من دونه } اى من دون الله شيئا { الا اسماء } مجردة لا مطابق لها فى الخارج لان ما ليس فيه مصداق اطلاق الاسم عليه لا وجود له اصلا فكانت عبادتهم لتلك الاسماء فقط { سميتموها } جعلتموها اسماء { انتم وآباؤكم } بمحض جهلكم وضلالتكم { ما انزل الله بها } اى بتلك التسمية المستتبعة للعبادة { من سلطان } من حجة تدل على صحتها { ان الحكم } فى امر العبادة المتفرعة على تلك التسمية { الا الله } لانه المستحق لها بالذات اذ هو الواجب بالذات الموجد للكل والمالك لامره فكأنه قيل فماذا حكم الله فى هذا الشأن فقيل { امر } على ألسنة الانبياء { ان لا تعبدوا } اى بان لا تعبدوا { الا اياه } الذى دلت عليه الحجج { ذلك } تخصيصه تعالى بالعبادة { الدين القيم } اى الثابت او المستقيم وهو دين الاسلام الذى لا عوج فيه وانتم لا تميزون الثابت من غيره ولا المعوج من القويم قال تعالى { { ان الدين عند الله الاسلام } وهو باعتبار الاصول واحد وباعتبار الفروع مختلف ولا يقدح الكثرة العارضة بحسب الشرائع المبنية على استعدادات الامم فى وحدته { ولكن اكثر الناس لا يعلمون } فيخبطون فى جهالتهم.
واعلم ان ما سوى الله تعالى ظل زائل والعاقل لا يتبع الظل بل يتبع من خلق الظل وهو الله تعالى واتباعه به هو تدينه بما امر به من جملته قصر العبادة له بالاجتناب عن الشرك الجلى والخفى وهو الاخلاص التام الموصل الى الله الملك العلام.
قال بعض الفضلاء الرغبة فى الايمان والطاعة لا تنفع الا اذا كانت تلك الرغبة رغبة فيه لكونه ايمانا وطاعة واما الرغبة فيه لطلب الثواب وللخوف من العقاب فغير مفيد انتهى
-وحكى- ان امرأة قالت لجماعة ما السخاء عندكم قالوا بذل المال قالت هو سخاء اهل الدنيا والعوام فما سخاء الخواص قالوا بذل المجهود فى الطاعة قالت ترجون الثواب قالوا نعم قالت تأخذون العشرة بواحد لقوله تعالى
{ { من جاء بالحسنة فله عشر امثالها } فأين السخاء قالوا فما عندك قالت العمل لله تعالى لا للجنة ولا للنار ولا للثواب وخوف العقاب وذلك لا يمكن الا بالتجريد والتفريد والوصول الى حقيقة الوجود وبمثل هذا العمل يصل المرء الى الله تعالى ويجد الله اطوع له فيما اراد ولا تزال العوالم فى قبضته باذن الله تعالى فيحكم بحكم الله تعالى ويعلم بعلم الله تعالى فيخبر عن المغيبات كما وقع ليوسف عليه السلام.
قال ابو بكر الكتانى قال لى الخضر كنت بمسجد صنعاء وكان الناس يستمعون الحديث من عبد الرزاق وفى زاوية المسجد شاب فى المراقبة فقلت له لم لا تسمع كلام عبد الرزاق قال انا اسمع كلام الرزاق وانت تدعونى الى عبد الرزاق فقلت له ان كنت صادقا فاخبرنى من انا فقالت انت الخضر فلله عباد قد بدلوا الحياة الفانية بالحياة الباقية وذلك ببذل الكل وافنائه فى تحصيل الوجود الحقانى وعملوا لله فى الله باسقاط ملاحظة الدارين فكوشفوا عن صور الاكوان وحقائق المعانى
وعن قدوة العارفين الشيخ عبد الله القرشىرحمه الله قال دخلت مصر فى ايام الغلاء الكبير فعزمت ان ادعو الله لرفعه فنوديت بالمنع فسافرت الى الشام فلما جنوت من قبر خليل الله تلقانى الخليل عليه السلام فقلت يا خليل الله اجعل ضيافتى الدعاء لاهل مصر فدعالهم ففرج الله عنهم.
فقال الامام اليافعى قول الشيخ تلقانى الخليل حق لا ينكره الا جاهل بمعرفة ما يرد عليهم من الاحوال التى يشاهدون فيها ملكوت السموات.
ثم اعلم ان جميع الانبياء امروا بالايمان واخلاص العبادة والايمان يقبل البلى كما دل عليه قوله عليه السلام
"جددوا ايمانكم بقول لا اله الا الله" وذلك بزوال الحب فلا بد من تجديد عقد القلب بالتوحيد وكلمة التوحيد مركبة من النفى والاثبات فتنفى ما سوى المعبود وتثبت ما هو المقصود ويصل الى الموحد الى كمال الشهود وحصول ذلك بنور التلقين والكينونة مع اهل الصدق واليقين واقل الامر ملازمة المجالس وربط القلب بواحد منهم نسأل الله تعالى ان يوفقنا لتحصيل المناسبة المعنوية بعد المجالسة الصورية انه وهاب العطايا فياض المعانى والحقائق