خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَقَالَ ٱلْمَلِكُ إِنِّيۤ أَرَىٰ سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّءْيَا تَعْبُرُونَ
٤٣
-يوسف

روح البيان في تفسير القرآن

{ وقال الملك } اى ملك مصر وهو الريان بن الوليد { انى ارى } فى المنام { سبع بقرات } جمع بقرة بالفارسية [كاو] { سمان } جمع سمينة نعت لبقرات { يأكلهن سبع عجاف } [هفت كاو لاغر] اى سبع بقرات عجاف جمع عجفاء والقياس عجف لان افعل وفعلاء لا يجمع على فعال لكنه حمل على نقيضه وهو سمان والعجف الهزال والاعجف المهزول -روى- انه لما قرب خروج يوسف من السجن جعل الله لذلك سببا لا يخطر بالبال

بسا قفلا كه نابيدا كليدست برو راه كشايش نا بديد ست
زنا كه دست صنعى در ميان نى بفتحش هيج صانع را كمان نى
بديد آيد زغيب آنرا كشادى وديعت در كشادش وهو مرادى
جو يوسف دل زحيلتهاى خود كند بريد از رشته تدبير بيوند
بجز ايزد نماند اورا بناهى كه باشد در نوائب تكيه كاهى
ز بندار خودى وبخردى رست كرفتش فيضى فضلى ايزدى دست

وذلك ان الملك اكبر كان يتخذ فى كل سنة عيدا على شاطئ النيل ويحشر الناس اليه فيطعمهم اطيب الطعام ويسقيهم الذ الشراب وهو جالس على سريره ينظر اليهم فرأى ليلة الجمعة فى منامه سبع بقرات سمان خرجن من نهر يابس او من البحر كما فى الكواشى وخرج عقيبهن سبع بقرات مهازيل فى غاية الهزال فابتلعت العجاف السمان فدخلن فى بطونهن فلم ير منهن شيء { وسبع } اى وارى سبع { سنبلات } جمه سنبلة { خضر } جمع خضراء نعت لسنبلات والمعنى بالفارسية [هفت خوشه سبزوتازه كه دانهاى ايشان منعقد شده بود] { واخر } اى سبعا اخر { يابسات } قد ادركت الحصاد والتوت على الخضر حتى غلبن عليها وانما استغنى عن بيان حالها بما قص من حال البقرات فلما استيقظ من منامه اضطرب بسبب انه شاهد ان الناقص الضعيف استولى على الكامل القوى فشهدت فطرته بان هذه الرؤيا صورة شر عظيم يقع فى المملكة الا انه ما عرف كيفية الحال فيه فاشتاق ورغب فى تحصيل المعرفة بتعبير رؤياه فجمع اعيان مملكته من العلماء والحكماء فقال لهم { يا ايها الملأ } فهو خطاب للاشراف من العلماء والحكماء او للسحرة والكهنة والمنجمين وغيرهم
كما قال الكاشفى [اى كروه كاهنان ومعبران واشراف قوم] { افتونى فى رؤياى } هذه اى عبروها وبينوا حكمها وما يؤول اليه من العاقبة. وبالفارسية [فتودى دهيد يعنى جواب كوييد مرا] { ان كنتم للرؤيا تعبرون } اى تعلمون عبارة جنس الرؤيا علما مستمرا وهى الانتقال من الصور الخيالية المشاهدة فى المنام الى ما هى صور امثلة لها من الامور الآفاقية والانفسية الواقعة فى الخارج فالتعبير والعبارة الجواز من صورة ما رأى الى امر آخر من العبور وهى المجاوزة وعبرت الرؤيا اثبت من عبرتها تعبيرا واللام للبيان كأنه لما قيل كنتم تعبرون قيل لأى شيء فقيل للرؤيا وهذه اللام لم تذكر فى بحث اللامات فى كتب النحو.
واعلم ان الرؤيا تطلب التعبير لان المعانى تظهر فى الصورة الحسية منزلة على المرتبة الخيالية. واما ابراهيم عليه السلام فقد جرى على ظاهر ما ارى فى ذبح ابنه لان شأن مثله ان يعمل بالعزيمة دون الرخصة ولو لم يفعل ذلك لما ظهر للناس تسليمه وتسليم ابنه لامر الحق تعالى -وحكى- ان الامام تقى ابن مخلد صاحب المسند فى الحديث رأى النبى صلى الله عليه وسلم فى المنام وقد سقاه لبنا فلما استيقظ استقاء وقاء لبنا اى ليعلم حقيقة هذه الرؤيا وتحقيق قوله عليه السلام
"من رآنى فى المنام فقد رآنى فى اليقظة فان الشيطان لا يتمثل على صورتى" ولو عبر رؤياه لكان ذلك اللبن علما فحرمه الله علما كثيرا على قدر ما شرب من اللبن ثم قال ووجه كون اللبن علما انه اول ما يظهر بصورة الحياة ويتغذى به الحيوان فيصير حيا كما ان العلم اول ما يتعين به الذات فيظهر عالما ثم ان رآه عليه السلام احد فى المنام بصورته التى مات عليها من غير نقصان من اجزائه ولا تغير فى هيئته فانه يأخذ عنه جميع ما يأمره به او ينهاه او يخبره من غير تعبير وتأويل كما كان يأخذ عنه من الاحكام الشرعية لو ادركه فى الحياة الدنيا الا ان يكون اللفظ مجملا فانه يؤوله فان اعطاه شيئا فى المنام فان ذلك الشيء هو الذى يدخله التعبير فان خرج فى الحس كما كان فى الخيال فتلك الرؤيا لا تعبير لها - وحكى - ان رجلا من الصلحاء رأى فى المنام انه لطم النبى عليه السلام فانتبه فزعا وهاله ما رأى مع جلالة النبى عليه السلام عنده فاتى بعض الشيوخ فعرض عليه رؤياه فقال له الشيخ اعلم انه عليه السلام اعظم من ان يكون عليه يدلك او لغيرك والذى رأيته لم يكن النبى عليه السلام انما هو شرعه قد اخللت بحكم من احكامه وكون اللطم فى الوجه يدل على انك ارتكبت امرا محرما من الكبائر فافتكر الرجل فى نفسه فلم يذكر انه اقدم على محرم من الكبائر وكان من اهل الدين ولم يتهم الشيخ فى تعبيره لعلمه باصابته فيما كان يعبره فرجع الى بيته حزينا فسألته زوجته عن سبب حزنه فاخبرها برؤياه وتعبير الشيخ فتعجبت الزوجة واظهرت التوبة وقالت اما اصدقك كنت حلفت انى ان دخلت دار فلان احد معارفك فانى طالق فعبرت على بابها فحلفوا علىّ فاستحييت من الحاحهم فدخلت اليهم وخشيت ان اذكر لك ما جرى فكتمت الحال فتاب الرجل واستغفر وتضرع الى الحق واعتدت المرأة ثم جدد العقد عليها.
ومن رأى الحق تعالى فى صورة يردها الدليل لزم ان يعبر تلك الصورة التى توجب النقصان ويردها الى الصورة الكمالية التى جاء بها الشرع فما لم يكن عليه لا ينسب اليه تعالى كما فى الاسماء فما لم يطلق الشرع عليه ما لنا ان ننسبه اليه وتلك الصورة التى ردها الدليل وجعلها مفتقرة الى التعبير ما فى حق حال الرائى يحسب مناسبته لتلك الصورة المردودة والمكان الذى يراه فيه او فى حقهما معا - حكى - ان بعض الصالحين فى بلاد الغرب راى الحق تعالى فى المنام فى دهليز بيته فلم يلتفت اليه فلطمه فى وجهه فلما استيقظ قلق قلقا شديدا فاخبر الشيخ الاكبر قدس سره بما راى وفعل فلما رأى الشيخ ما به من القلق العظيم قال له اين رأيته قال فى بيت لى قد اشتريته قال الشيخ ذلم الموضع مغصوب وهو حق للحق المشروع اشتريته ولم تراع حاله ولم تف بحق الشرع فيه فاستدركه فتفحص الرجل عن ذلك فاذا هو وقف المسجد وقد بيع بغصب ولم يعلم الرجل ولم يلتفت الى امره فلما تحقق رده الى وقف المسجد واستغفر الله ولعل الشيخ علم من صلاح الرائى وشدة قلقه انه ليس من قبيل الرائى فسأله عن المكان الذى رأى فيه فمثل هذا اذا رؤى يجب تأويله. واما اذا كان التجلى فى الصورة النورية كصورة الشمس او غيرها من صور الانوار كالنور الابيض والاخضر وغير ذلك ابقينا تلك الصورة المرئية على ما رأينا كما نرى الحق فى الآخرة فان تلك الرؤية تكون على قدر استعدادنا فافهم المراتب والمواطن حتى لا تزل قدمك على رعاية الظاهر والباطن.
وقد جاء فى الحديث
"ان الحق يتجلى بصورة النقصان فينكرونه ثم يتحول ويتجلى بصورة الكمال والعظمة فيقبلونه ويسجدون له" فمن صورة مقبولة ومن صورة مردودة فما يحتاج الى التعبير ينبغى ان لا يترك على حاله فان موطن الرؤيا وهو عالم المثال يقتضى التعبير ولذا قال ملك مصر { افتونى فى رؤياى ان كنتم للرؤيا تعبرون }