خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيۤ إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ
٩٨
-يوسف

روح البيان في تفسير القرآن

{ قال سوف استغفر لكم ربى انه هو الغفور الرحيم } سوف وعسى ولعل فى وعد الاكابر والعظماء يدلا على صدق الامر وجده ووقوع ذلك منهم موقع القطع والبت وانما يعنون بذلك اظهار وقارهم وترك استعجالهم فعلى ذلك جرى وعد يعقوب كأنه قال انى استغفر لكم لا محالة وان تأخر كما فى بحر العلوم
وعن شعبى قال { سوف استغفر لكم ربى } قال اسأل يوسف ان عفا عنكم واستغفر لكم ربى فان عفو المظلوم شرط المغفرة فاخر الاستغفار الى وقت الاجتماع بيوسف فلما قدموا عليه فى مصر قام الى الصلاة فى السحر ليلة الجمعة وكانت ليلة عاشوراء فلما فرغ رفع يديه وقال اللهم اغفر جزعى على يوسف وقلة صبري عنه واغفر لولدى ما اتوا به اخاهم وقام يوسف خلفه يؤمن وقام اخوته خلفهما اذلة خاشعين فاوحى الله اليه ان الله قد غفر لك ولهم اجمعين ثم لم يزل يدعو لهم كل ليلة جمعة فى نيف وعشرين سنة الى ان حضره الوفاة.
والتحقيق فى هذا المقام ما قاله حضرة شيخى وسندى قدس الله سره فى بعض تحريراته وهو انه تعالى قال فى حكاية قول يوسف عليه السلام
{ { يغفر الله لكم وهو ارحم الراحمين } وقال فى حكاية قول يعقوب عليه السلام { سوف استغفر لكم ربى انه هو الغفور الرحيم } وذلك لانه انبعث من غيب قلب يوسف النظر الى ما نال اليه بسبب اخوته من النعماء والآلاء وانبعث ايضا من غيب قلبه النية والارادة للاستغفار لهم فقال بلا توقف ولا تأخر { يغفر الله لكم وهو ارحم الراحمين } اى وهو ارحم بكم منى ومن ابى ومنكم ومن سائر الراحمين وهو يرحمكم ويغفر لكم بسبب استغفاري لكم قدر ما نلت اليه بسبب ابتلائى بكم بل فوقه اذ لولا رحمته ومغفرته لكم لما ابتلانى بكم ولما انالنى الى ما رأيتم من السلطنة الظاهرة والباطنة والنعمة التامة الكاملة ولم ينبعث من غيب قلب يعقوب عليه السلام ذلك بل انبعث النظر الى ما وصل اليه بسببهم من العناء والمحن ولم تنبعث النية للاستغفار لهم بل توقف وتأخر الى انبعاث النية من جانب الغيب حتى يستغفر لهم بالنية الصادقة المأذونة من قبل الحق تعالى فقال اشارة الى هذا وتنبيها لهم عليه { سوف استغفر لكم } ربى حين تنبعث نية الاستغفار الى قلبى من قبل العزيز الغفار ولا تستعجلوا { انه هو الغفور الرحيم } لانه كما انزل على هذه المنح فى صورة المحن من قبلكم يرحمكم ويغفر لكم ولولا ارادته الرحمة والمغفرة لكم لما ابتلاكم بهذا البلاء ولكن هذه الوقعة نعمة فى صورة النقمة ورحمة فى صورة الغضب الحمد لله على ما انعم وهو الاكرم والارحم واصل ذلك ارادة الحق سبحانه ان يتجلى لهم بالقبض والجلال من جانب ابيهم وبالبسط والجمال من جانب اخيهم حتى ينالوا الى مرتبة الصبر بالتجلى الاول ويصلوا الى مرتبة الشكر التجلى الثانى وتكون تربيتهم بالقبضتين واليدين ومرتبتهم جامعة بين المرتبتين فلو كان التجلى من كلا الجانبين بالقبضة واليد الواحدة لكان مخالفا لسنته القديمة فانه لا يتجلى لاحد من مجليين الابصورتين مختلفتين وكذا لا يتجلى لشخصين من مجليين الابصورتين ألا ترى انه لا يوجد شخصان فى صورة واحدة وان كانا من اب واحد لان فى اتحاد التجلى فيهما تحصيل حاصل وهو نوع عبث تعالى شأنه عن العبث علوا كبيرا