خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ٱبْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَأَنْفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِٱلْحَسَنَةِ ٱلسَّيِّئَةَ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عُقْبَىٰ ٱلدَّارِ
٢٢
-الرعد

روح البيان في تفسير القرآن

{ والذين صبروا } على ما تكرهه النفوس من انواع المصائب ومخالفة الهوى من مشاق التكاليف { ابتغاء وجه ربهم } طلبا لرضاه من غير ان ينظروا الى جانب الخلق رياء وسمعة ولا الى جانب النفس زينة وعجبا.
واعلم ان مواد الصبر كثيرة منها. الصبر على العمى وفى الحديث القدسى
"اذا ابتليت عبدى بحبيبتيه" اى العينين وسميتا بذلك لانهما احب الاشياء الى الشخص "فصبر على البلاء راضيا بقضاء الله تعالى عوضته منها الجنة" والاعمى اول من يرى الله تعالى يوم القيامة. ومنها الصبر على الحمى وصداع الرأس وموت الاولاد والاحباب وغير ذلك من انواع الابتلاء. ومنها الصوم فان فيه صبرا على ما تكرهه النفس من حيث انها مألوفة بالاكل والشرب والصوم ربع الايمان بمقتضى قوله عليه السلام "الصوم نصف الصبر والصبر نصف الايمان" : قال الحافظ

ترسم كزين جمن نبرى آستين كل كز كلشنش تحمل خازى نميكنى

رى - ان شقيق بن ابراهيم البلخى دخل على عبد الله بن المبارك متنكرا فقال له عبد الله من اين اتيت فقال من بلخ قال وهل تعرف شقيقا قال نعم قال كيف طريقة اصحابه فقال اذا منعوا صبروا واذا اعطوا شكروا فقال عبد الله طريقة كلا بنا هكذا فقال وكيف يتبغى ان يكون الامر فقال الكاملون هم الذين اذا منعوا شكروا وان اعطوا آثروا.
قال حضرة شيخى وسندى روح الله روحه فى بعض مناجاته اللهم انى احمدك فى السراء والضراء واقول فى السراء الحمد لله المنعم المفضل نظرا الى النعمة الظاهرة والمنحة الجلية فى السراء واقول فى الضراء الحمد لله على كل حال نظرا الى النعمة الباطنة والمنحة الخفية فى الضراء لكن اشكرك فى السراء واقول الشكر لله طمعا فى زيادة النعمة والمنحة بمقتضى وعدك فى قولك لئن شكرتم لازيدنكم فاذا دفعت عنى البلية ورفعت المحنة فاشكرك مطلقا كما احمدك كذلك واقول الشكر لله مطلقا كما اقول الحمد لله كذلك انتهى.
وهذا كلام لم ار مثله من المتقدمين حقيق بالقبول والحفظ فرضى الله عن قائله { واقاموا الصلوة } المفروضة اى داوموا على اقامتها { وانفقوا مما رزقناهم } اى بعضه الذى وجب عليهم انفاقه فمن للتبعيض والمراد بالبعض المتصدق بالزكاة المفروضة لاقترانه بالصلاة التى هى اخت الزكاة وشقيقتها او مطلق ما ينفق فى سبيل الله نظرا الى اطلاق اللفظ من غير قرينة الخصوص { سرا } لمن لا يعرف بالمال يتناول النوافل لانها فى السر افضل { وعلانية } لمن عرف به يشمل الفرائض لوجوب المجاهرة بها نفيا للتهمة وانتصابها على الحال اى ذوى سر وعلانية بمعنى مسرين ومعلنين او على الظرف اى وقتى سر وعلانية او على المصدر اى انفاق سر وعلانية. والمعنى اسرار النوافل من الصدقات والاعلان بالفرائض.
ومن الانفاق الواجب الانفاق على الابوين اذا كانا فقيرين.
قال الفقهاء تقدم الام على الاب فى النفقة اذا لم يكن عند الولد الا كفاية احدهما لكثرة تعبها عليه وشفقتها وخدمتها ومعاناة المشاق فى حمله ثم وضعه ثم ارضاعه ثم تربيته وخدمته ومعالجة اوساخه وتمريضه وغير ذلك كما فى الفتح القريب.
قال الشيخ عز الدين الواجب قسمان واجب بالشرع وواجب بالمروءة والسخى هو الذى لا يمنع واجب الشرع ولا واجب المروءة فان منع واجبا منهما فهو بخيل ولكن الذى يمنع واجب الشرع ابخل كالذى يمنع اداء الزكاة والنفقة الواجبة او يؤديها بمشقة فانه بخيل بالطبع متسخ بالتكلف او كان بحيث لا يطيب له ان يعطى من اطيب ماله او من اوسطه فهذا كله بخل واما واجب المروءة المضايقة والاستقصاء في المحقرات فان ذلك مستقبح واستقباحه يختلف بالاحوال والاشخاص فمن كثر ماله يستقبح منه ما لا يستقبح من الفقير من المضايقة ما لا يستقبح اقل منه فى المبالغة والمعاملة فيختلف ذلك بما فيه المضايقة من ضيافة او معاملة وبما به المضايقة من طعام او ثوب فالبخيل هو الذى يمنع حيث ينبغى ان لا يمنع اما بحكم الشرع واما بحكم المروءة وجاء فى وصف البخيل

لو عبر البحر بامواجه فى ليلة مظلمة بارده
وكفه مملوءة خردلا ما سقطت من كفه واحده

وفيه

خواجه درماهتاب نان ميخورد در سرايى كه هيج خلقى نبود
سايه خويش را كسى بنداشت كاسه از بيش خويشتن بربود

واعلم ان الله تعالى اسند الانفاق اليهم واعطاء الرزق الى ذاته تعالى تنبيها على انهم امناء الله فيما اعطاهم ووكلاؤه والوكيل دخيل فى التصرف لا اصيل فينبغى له ان يلاحظ جانب الموكل لا جانب نفسه ولا جانب الخلق وقد قالوا من طمع فى شكر او ثناء فهو بياع لا جواد فانه اشترى المدح بماله والمدح لذيذ مقصود فى نفسه والجود هو بذل الشئ من غير غرض

كرم ولطف لى غرض بايد تاازان مردمتهم نبود
از كرم جون جزا طمع دارى آن تجارت بود كرم نبود

ومن الكرم ضيافة الاخوان فى شهر رمضان وفى الحديث "يا اصحابى لا تنسوا امواتكم فى قبورهم خاصة فى شهر رمضان فان ارواحهم يأتون بيوتهم فينادى كل احد منهم الف مرة من الرجال والنساء اعطفوا علينا بدرهم او برغيف او بكسرة خبز او بدعوة او بقراءة آية او بكسوة كساكم الله من لباس الجنة" كذا فى ربيع الابرار فاذا كان الرغيف او الكسرة مفيدا مقبولا عند الله تعالى فما ظنك بما فوقه من اللذائذ وفى الحديث "من لقم اخاه لقمة حلوة صرف الله عنه مرارة الموقف يوم القيامة" { ويدرءون بالحسنة السيئة } ويدفعونها بها فيجاوزون الاساءة بالاحسان والظلم بالعفو والقطع بالوصل والرحمان بالعطاء

كم مباش از درخت سايه فكن هركه سنكس زند ثمر بخشش
از صدف يادكير نكته حلم هركه زد برسرش كهر بخشش

او المعنى يتبعون الحسنة بالسيئة فتمحوها واحسن الحسنات كلمة لا اله الا الله اذ التوحيد رأس الدين فلا افضل منه كما ان الرأس افضل الجوارح.
وعن ابن كيسان اذا اذنبوا تابوا فيكون المراد بالحسنة التوبة وبالسيئة المعصية.
قال عبد الله بن المبارك هذه ثمان خصال مسيرة الى ثمانية ابواب الجنة { أولئك } [آن كروه كه بدين صفات موصوفند] { لهم عقبى الدار } عاقبة الدنيا ومرجع اهلها وهى العاقبة المطلقة التى هى الجنة واما النار فانما كانت عقبى الكافرين لسوء اختيارهم وليس كونها عاقبة دار الدنيا مقصودا بالذات بخلاف الجنه