خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَقَدْ مَكَرَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ ٱلْمَكْرُ جَمِيعاً يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ ٱلْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى ٱلدَّارِ
٤٢
-الرعد

روح البيان في تفسير القرآن

{ وقد مكر الذين من قبلهم } تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم اى مكر الذين قبل مشركى مكة بانبيائهم والمؤمنين بهم كما مكر اهل مكة بمحمد عليه السلام ومكرهم ما اخفوه من تدبير القتل والايذاء بهم مكر نمرود بابراهيم عليه السلام وبنى الصرح وقصد السماء ليقتل رب ابراهيم ومكر فرعون بموسى عليه السلام واليهود بعيسى عليه السلام وثمود بصالح عليه السلام كما قالوا لنبيتنه واهله اى لنقتلهم ليلا ومكر كفار مكة فى دار الندوة حين ارادوا قتل النبى صلى الله عليه وسلم { فلله المكر جميعا } مكر الله اهلا كهم من حيث لا يشعرون شبه بمكر الماكر على سبيل الاستعارة.
وفى الكواشى اسباب المكر وجزاؤه بيد الله لا يغلبه احد على مراده فيجازيهم جزاء مكرهم وينصر انبياءه ويبطل مكر الكافرين اذا هو من خلقه فالمكر جميعا مخلوق له ليس يضر منه شئ الا باذنه ثم بين قوة مكره وكماله بقوله { يعلم ما تكسب كل نفس } من خير وشر فيعد جزاءها.
وفى التأويلات النجمية فى اهل كل زمان وقرن مكروهم يمكرون به فلله المكر جميعا فانه مكر بهم ليمكروا بمكره مكرا مع اهل الحق ليبتليهم الله بمكرهم ويصبروا على مكرهم ثقة بالله انه هو خير الماكرين: وفى المثتوى

مرضعيفا نرا توبى خصمى مدان از نبة اذ جاء الله بخوان
كردخود جون كرم بيله برمتن بهر خودجه ميكنى اندازه كن
كرتوبيلى خصم تواز تورميد نك جزا طيرا ابابيلت رسيد
كرضعيفى درزمين خواهدامان غلغل افتد درسياه آسمان
كربدندانش كزى برخون كنى درددندانت بكيرد جون كنى

{ وسيعلم الكفار لمن عقبى الدار } من الفريقين حيثما يأتيهم العذاب المعد لهم وهم فى غفلة منه واللام تدل على ان المراد بالعقبى العاقبة المحمودة والمراد بالدار الدنيا وعاقبتها ان يختم للعبد بالرحمة والرضوان وتلقى الملائكة بالبشرى عند الموت ودخول الجنة.
قال سعدى المفتى ثم لا يبعد ان يكون المراد والله اعلم وسيعلم الكفار من يملك الدنيا آخرا فاللام للمك انتهى.
فينبغى للمؤمن ان يتوكل على المولى ويعتمد على وعده ويوافقه باستعجال ما عجله واستئجال ما اجله وكما انه تعالى نصر رسوله فكان ما كان كذلك ينصر من نصر رسوله فى كل عصر وزمان فيجعله غالبا على اعدائه الظاهرة والباطنة - روى -
"انه عليه السلام امر فى غزوة بدر ان يطرح جيف الكفار فى القليب وكان اذا ظهر على قوم اقام بالعرصة ثلاث ليال فلما كان اليوم الثالث امر عليه السلام براحلته فشد عليها رحلها ثم مشى واتبعه اصحابه حتى وقف على شفة القليب وجعل يقول يا فلان بن فلان هل وجدتم ما وعد الله ورسوله حقا فانى وجدت ما وعدنى الله حقا فقال عمر رضى الله عنه يا رسول الله كيف تكلم اجسادا لا روح فيها فقال عليه السلام ما انتم باسمع لما اقول منهم" وفى رواية "لقد سمعوا ما قلت غير انهم لا يستطيعون ان يردوا شيئا"
وعن قتادة رضى الله عنه احياهم الله حتى سمعوا كلام رسول الله توبيخا لهم وتصغيرا ونقمة وحسرة وكان ابو لهب قد تأخر فى مكة وعاش بعد ان جاء الخبر عن مصاب قريش ببدر اياما قليلة ورمى بالعدسة وهى بثرة تشبه العدسة من جنس الطاعون فقتله فلم يحفروا له حفيرة ولكن اسندوه الى حائط وقذفوا عليه الحجارة خلف الحائط حتى واروه لان العدسة قرحة كانت العرب تتشاءم بها ويرون انها تعدى اشد العدوى فلما اصابت ابا لهب تباعد عنه بنوه وبقى بعد موته ثلاثا لا يقرب جنازته ولا يحاول دفنه حتى انتن فلما خافوا السبة اى سب الناس لهم فعلوا به ما ذكر وفى رواية حفروا له ثم دفعوه بعود فى حفرته وقذفوه بالحجارة من بعيد حتى واروه فوجد جزاء مكره برسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت عائشة رضى الله عنها اذا مرت بموضعه ذلك غطت وجهها قال فى النور وهذا القبر الذي يرجم خارج باب شبيكة الآن ليس بقبر ابى لهب وانما هو قبر رجلين لطخا الكعبة بالعذرة وذلك فى دولة بنى العباس فان الناس اصبحوا ووجدوا الكعبة ملطخة بالعذرة فرصدوا للفاعل فامسكوهما بعد ايام فصلبا فى ذلك الموضع فصارا يرجمان الى الآن فهذا جزاؤهما فى الدنيا وقد مكر الله بهما بذلك فقس على هذا جزاء من استهزأ بدين الله واهل دينه من العلماء الاخيار والاتقياء الابرار وقد مكر بعض الوزراء بحضرة شيخى وسندى فى اواخر عمره فاماته الله قبله بايام فرؤى فى المنام وهو منكوس الرأس لا يرفعها حياء مما صنع بحضرة الشيخ اللهم احفظنا واعصمنا من سوء الحال وسيآت الاعمال