خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَىٰ ٱلَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَٱلَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ
١٠٠
-النحل

روح البيان في تفسير القرآن

{ انما سلطانه } اى تسلطه وغلبته بدعوته المستتبعة للاستجابة لا سلطانه بالقسر والالجاء فانه منتف عن الفريقين لقوله تعالى حكاية عنه { وما كان لى عليكم من سلطان الا ان دعوتكم فاستجبتم لى } وقد افصح عنه قوله تعالى { على الذين يتولونه } اى يتخذونه وليا ويستجيبون دعوته ويطيعونه فان المقسور بمعزل عن ذلك كذا فى الارشاد وهو جواب عما قال السمرقندى فى تفسيره من ان فى بناء الكلام على الحصر والاختصاص ردا للشيطان فى قوله للكفرة فى جهنم { وما كان لى عليكم من سلطان } وتكذيبا له انتهى.
{ والذين هم به } سبحانه وتعالى { مشركون } مثبتون الشريك فى الالوهية او بسبب الشيطان اذ هو الذى حملهم على الاشراك بالله
قال فى التأويلات النجمية الخطاب فى هذه الآية مع الامة وان خص النبى صلى الله عليه وسلم لان الشيطان كان يفر من ظل عمر رضى الله عنه وهو احد تابعيه فكيف يقدر على ان يدور اليه سيما اسلم شيطانه على يده صلى الله عليه وسلم يدل عليه قوله { انه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون } يعنى سلطان نور الايمان والتوكل غالب على سلطان وسوسة الشيطان فاذا كان هذا حال الامة مع الشيطان فكيف يكون حال النبوة معه فثبت ان المراد بالخطاب الامة وانما خص النبى صلى الله عليه وسلم به لتعتبر الامة وتتنبه ان مثل النبى صلى الله عليه وسلم مهما يكن مأمورا بالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم فتكون الامة بها اولى واحق. قال بعضهم هل المراد كل شيطان او القرين فقط الظاهر انه فى حقنا القرين قال الله تعالى
{ ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين } وفى حق رسول الله صلى الله عليه وسلم ابليس اما نحن فلان الانسان لا يؤذيه من الشياطين الا ما قرن به وما بعد فلا يضره شيئا والعاقل لا يستعيذ ممن لا يؤذيه واما الرسول صلى الله عليه وسلم فان قريته لما اسلم تعين ان يكون الاستعاذة من ابليس او اكابر جنوده وتخصيص الاستعاذة بالله عند قراءة القرآن من الشيطان الرجيم لمعان وفوائد اولها كى يتذكر القارئ واقعة الشيطان وبتفكر فى امره انه انما صار شيطانا رجيما بعد ان كان ملكا كريما لانه فسق عن امر ربه وخالفه وابى ان يسجد لآدم واستكبر وكان من الكافرين اى فصار من الكافرين فينتبه بذلك عند قراءة القرآن ويصفى نيته قبل القراءة على ان يأتمر بما امر الله فى القرآن وينتهى عما نهاه عنه احترازا عن المخالفة فان فيها الطرد واللعن والرجم والفسق والكفر وانها مظنة للخلود فى النار وثانيها لان العبد لا يخلو من حديث النفس وهواجسها ومن القاء الشيطان ووساوسه وقلبه لا بد يتشوش بذلك فلا يجد حلاوة كلام الله فامر بالاستعاذة وتزكيته للنفس عن هواجسها وتصفيته للقلب عن وساوس الشيطان ليتجلى بنور القرآن فان التجلية تكون بعد التزكية والتصفية وثالثها لان فى كل كلمة من كلمات القرآن لله تعالى اشارات ومعانى وحقائق لا يفهمها الا قلب مطهر عن تلوثات الهواجس والوساوس معطر بطيب انفاس الحق وذلك مودع فى الاستعاذة بالله فامر بها لحصول الفهم - وروى - جبير بن مطعم قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى فقال "الله اكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة واصيلا اعوذ بالله من الشيطان الرجيم من نفخه ونفثه وهمزه" قال ابن مسعود رضى الله عنه نفخه الكبر ونفثه الشعر وهمزه الموتة يعنى الجنون.
وفى قوله { انه ليس له سلطان } الآية اشارة الى ان تصرف الشيطان وقدرته بالاغوآء والاضلال على الانسان انما ينقطع بقدر نور الايمان وقوة التوكل فمهما يكمل الايمان والتوكل يكون المؤمن زاهدا عن الدنيا راغبا فى الآخرة متبتلاً الى الله تعالى فلا يبقى للشيطان عليه سلطان فى اضلاله واغوائه ولكن يأول امره الى الوسوسة وفيها صلاح المؤمن فان ابريز اخلاص قلبه عن غش صفات نفسه لا يتخلص الا بنار وسوسة الشيطان لانه يطلع على بقايا صفات نفسه بما تكون الوسوسة من جنسه فيزيد فى الرياضة ومجاهدة النفس وملازمة الذكر فبها تنقض وتمنحى بقية صفات النفس ويزداد نور الايمان وقوة التوكل وقربة الحق وقبوله.
وفى بعض الاخبار ان النبى صلى الله عليه وسلم قال
"ان ابليس قال يا رب قلت فى كتابك ان عبادى ليس لك عليهم سلطان فمن هم فقال تعالى من كان نور وجهه من عرشى وطينه من طين ابراهيم ومحمد عليهما السلام وقلبه خزينتى قال ابليس فمن هم فقال تعالى من كان نادما على ذنبه وخائفا من خاتمته فنور وجهه من نور عرشى ومن كان يطعم الطعام ويرحم العباد فطينه من طينهما ومن كان راضيا بحكمى مسارعا الى ابتغاء مرضاتى فقلبه خزينتي"
وفى الخبر "اذا لعن المؤمن شيطانا يقول لعنت لعينا واذا قال اعوذ بالله من الشيطان الرجيم يقول قصم ظهرى لانه يحيل الى القادر". وفى الخبر "من استعاذ بالله فى اليوم عشر مرات من الشيطان وكل الله به ملكا يرد عنه الشياطين": قال الحافظ

درراه عشق وسوسه اهر من بسيست هش دار وكوش دل بييام سروش كن

واعلم ان الاستعاذة واجبة على كل من شرع فى قراءة القرآن سواء بدأ من اوائل اسورة او من اجزائها مطلقا وان ارابد به افتتاح الكتب او الدرس كما يقرأ التلميذ على الاستاذ لا يتعوذ كذا فى انوار المشارق. والوجوب مذهب الجمهور كما فى الارشاد. وقال الفنارى فى تفسير الفاتحة والاستعاذة غير واجبة عند الجمهور والامر فى فاستعذ للندب انتهى.
وقال الكاشفى فى تفسيره [وامر بساتعاذه قبل از قراءت بقول جمهور امر استحبابست وباختيار جمعى از كبرا برسبيل ايجاب. در تفسير قرطبى قولى هست كه استعاذه برحضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم تنها فرض بوده بوقت قراءت واقتداء امت برو برسبيل سنت است] انتهى.
والتعوذ فى الصلاة ينبغى ان يكون واجبا لظاهر الامر الا ان السلف اجمعوا على سنته كما فى الكافى. قال القرطبى ابو حنيفة والشافعى رحمهما الله يتعوذان فى الركعة الاولى فى الصلاة ويريان قراءة الصلاة كلها قراءة واحدة كما فى حواشى سعدى المفتى. والغرض نقى الوسوسة فى التلاوة فشرع لافتتاح القراءة. قال جعفر الصادق رضى الله عنه ان التعوذ تطهير الفم عن الكذب والغيبة والبهتان تعظيما لقراءة القرآن

زبان آمد ازبهر شكر وسباس بغيبت نكرداندش حق شناس