خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ
١١١
-النحل

روح البيان في تفسير القرآن

{ يوم تأتى كل نفس } منصوب بذكر والمراد يوم القيامة { تجادل عن نفسها } اضاف النفس الى النفس لانه يقال لعين الشئ نفسه ولنقيضه غيره والنفس جملة الشئ ايضا فالنفس الاولى بمعنى الجملة والثانية بمعنى العين والذات. والمعنى اذكر يا محمد ويا كل من يصلح للخطاب يوم يأتى كل انسان يجادل ويخاصم عن ذاته يسعى فى خلاصه بالاعتذار كقولهم هؤلاء اضلونا وما كنا مشركين لا يهمه شان غيره فيقول نفسى نفسى وذلك حين زفرت جهنم زفرة فلا يبقى ملك مقرب ولا نبى مرسل الا جثا على ركبتيه حتى خليل الرحمن عليه السلام وقال رب نفسى اى اريد نجاة نفسى.
قال احمد الدورقى مات رجل من جيراننا شاب فرأيته فى الليل وقد شاب فقلت ما قصتك قال دفن بشر المريسى فى مقبرتنا فزفرت جهنم زفرة شاب منها كل من فى المقبرة وبشر اخذ الفقه عن ابى يوسف القاضى الا انه اشتغل بالكلام وقال بخلق القرآن واضل خلقا كثيرا ببغداد فى زمن المأمون وقطعه عبد العزيز الكتانى وبالجملة كان بشر من جملة شياطين الانس حتى نصبه الشيطان خليفة لمن فى بغداد اذ فعل بالخلق ما فعله الشيطان من الاضلال: قال الحافظ

دام سختست مكر لطف خدايا شود ورنه آدم نبرد صرفه زشيطان رجيم

وقال

سزدم جوابر بهمن كه درين جمن بكريم طرب آشيان بلبل بنكر كه زاغ دارد

قال فى التأويلات النجمية { كل نفس } على قدر بقاء وجودها { تجادل عن نفسها } اما دفعا لمضارها او جذبا لمنافعها حتى الانبياء عليهم السلام يقولون نفسى نفسى الا محمدا صلى الله عليه وسلم فانه فان عن نفسه باق بربه فانه يقول امتى امتى لانه المغفور من ذنب وجوده المتقدم فى الدنيا والمتأخر فى الآخرة بما فتح له ليلة المعراج اذ واجهه بخطاب السلام عليك ايها النبى ورحمة الله وبركاته ففنى عن وجوده بالسلام وبقى بوجوده بالرحمة وكان رحمة مهداة ارسل ببركاته الى الناس كافة ولكنه رفع المنزلة من تلك الضيافة خاصة لخواص متابعيه كما قال السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين يعنى الذين صلحوا لبذل الوجود فى طلب المقصود ونيل الجود فما بقى لهم مجادلة عن نفوسهم مع الخلق والخالق كما قال بعضهم كل الناس يقولون غدا نفسى وانا اقول ربى ربى { وتوفى كل نفس } برة او فاجرة اى تعطى وافيا كاملا وبالفارسية [تمام داده شود هر نفس را] { ما عملت } اى جزاء ما عملت بطريق اطلاق اسم السبب على المسبب اشعارا بكمال الاتصال بين الاجزية والاعمال وايثار الاظهار على الاضمار للايذان باختلاف وقتى المجادلة والتوفية وان كانتا فى يوم واحد { وهم لا يظلمون } لا ينقصون اجورهم ولا يعاقبون بغير موجب ولا يزاد فى عقابهم على ذنوبهم.
وعن ابن عباس رضى الله عنهما ما تزال الخصومة بين الناس يوم القيامة حتى يخاصم الروح الجسد يقول الروح يا رب لم يكن لى يدا ابطش بها ولا رجل امشى بها ولا عين ابصر بها ويقول الجسد خلقتنى كالخشب ليست لى يد ابطش بها ولا رجل امشى بها ولا عين ابصر بها فجاء هذا كشعاع النور فيه نطق لسانى وابصرت عينى ومشت رجلى قال فيضرب لهما مثلا مثل اعمى ومقعد دخلا حائطا وفيه ثمار فالاعمى لا يبصر الثمار والمقعد لا ينالها فحمل الاعمى المقعد فاصابا من الثمر فعليهما العذاب كذا فى تفسير السمرقندى وفيه اشارة الى ان كل نفس عملت سوأ توفى العذاب بنار الجحيم ونار القطعية وكل نفس عملت خيرا توفى الثواب من نعيم الجنان ولقاء الرحمن فلا يعذب اهل النعيم ولا يثاب اهل الجحيم كذا فى التأويلات النجمية.