خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

ٱدْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ وَجَٰدِلْهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ
١٢٥
-النحل

روح البيان في تفسير القرآن

{ ادع } الناس يا افضل الرسل من سبيل الشيطان { الى سبيل ربك } وهو الاسلام الموصل الى الجنة والزلفى.
قال حضرة الشيخ العطار قدس سره

نورا او جون اصل موجودات بود ذات او جون معطى هرذات بود
واجب آمد دعوة هر دوجهانش دعوت ذرات بيدا ونهانش

واعلم ان كل عين من الاعيان الموجودة مستند الى اسم من الاسماء الالهية واصل من طريق ذلك الاسم الى الله الذى له احدية جميع الاسماء.
لا يقال فما فائدة الدعوة حينئذ.
لانا نقول الدعوة من المضل الى الهادى ومن الجائر الى العدل { بالحكمة } بالحجة القطعية المفيدة للعقائد الحقة المزيحة لشبهة من دعى اليها فهى لدعوة خواص الامة الطالبين للحقائق { والموعظة الحسنة } اى الدلائل الاقناعية والحكايات النافعة فهى لدعوة عوامهم. يقال وعظه يعظه وعظا وعظة وموعظة ذكره ما يلين قلبه من الثواب والعقاب فاتعظ كما فى القاموس { وجادلهم بالتى هى احسن } اى ناظر معانديهم بالطريقة التى هى احسن طرق المناظرة والمجادلة من الرفق واللين واختيار الوجه الايسر واستعمال المقدمات المشهورة تسكينا لشغبهم واطفاء للهبهم كما فعله الخليل عليه السلام. والآية دليل على ان المناظرة والمجادلة فى العلم جائزة اذا قصد بها اظهار الحق.
قال الشيخ السمرقندى فى تفسيره فى هذه الآية تنبيه على المدعو الى الحق فرق ثلاث. فان المدعو الى الله بالحكمة قوم وهم الخواص. وبالموعظة قوم وهم العوام. وبالمجادلة قوم وهم اهل الجدال وهم طائفة ذووا كياسة تميزوا بها عن العوام ولكنها ناقصة مدنسة بصفات رديئة من خبث وعناد وتعصب ولجاج وتقليد ضال تمنعهم عن ادراك الحق وتهلكهم فان الكياسة الناقصة شر من البلاهة بكثير الم تسمع ان اكثر اهل الجنة البله فليستعمل كل منها مع يناسبها فانه لو استعمل الحكمة للعوام لم يفد شيئا حيث لم يفهموها لسوء بلادتهم وعدم فطنتهم

نكته كفتن بيش كزفهمان زحكمت بى كمان جوهرى جنداز جواهر ريختن بيش خراست

وفى المثنوى

كى توان باشيعه كفتن از عمر كى توان بربط زدن دربيش كر

وان استعمل الجدال مع اهل الحكمة تنفرو منه تنفر الرجل من الارضاع بلبن الطفل.
وفى التأويلات النجمية قوله { ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة } اشارة الى ان دعاء العوام الى سبيل ربك وهو الجنة بالحكمة وهو الخوف والرجاء لانهم يدعون ربهم خوفا من النار وطمعا فى الجنة والموعظة الحسنة هى الرفق والمداراة ولين الكلام والتعريض دون التصريح وفى الخلا دون الملا فان النصح على الملا تقريع

كر نصيحت كنى بخلوت كن كه جزا اين شيوه نصيحت نيست
هر نصيحت كه بر ملا باشد آن نصيحت بجز فضيحت نيست

ودعاء الخواص الى الله بالحكمة والموعظة الحسنة وهى ان تحبب الله اليهم وتوفر دواعيهم فى الطلب وترشدهم وتهديهم الى صراط الله وتسلكهم فيه وتكون لهم دليلا وسراجا منيرا الى ان يصلوا فى متابعتك وتزكيتك اياهم الى مراتب المقربيت { وجادلهم بالتى هى احسن } لكل طائفة منها فجادل اهل النفاق واغلظ عليهم جادل اهل الوفاق باللطف والرحمة واخفض جناحك للمؤمنين واعف عنهم واستغفر لهم.
وقال حضرة شيخى وسندى روح الله روحه فى كتابه المسمى باللائحات البرقيات بالحكمة اى بالبصيرة على رعاية المناسبة فى مقتضيات الاحوال والمقامات بالتليين والتخفيف والتعريض فى مقاماتها والتغليظ والتشديد والتصريح فى مقاماتها ونحو ذلك من المناسبات الحكمية الجالبة للمصالح والسالبة للمفاسد والموعظة الحسنة اى المتضمنة للحسنات والمشتملة على الترغيبات والمتناولة للترهيبات والجالبة للقلوب الى المحبوبات والسالبة للنفوس عن المقبوحات وغير ذلك مما يختص ويليق بالموعظة الحسنة التى هى الموعظة بالحق والعلم الكامل والعقل والتام لا الموعظة بالنفس والجهل والحمق فان تلك الموعظة انما هى بالبصيرة الشاملة الصحيحة وهذه الموعظة انما هى بالغفلة العامة الفاسدة وفى الحقيقة الموعظة الحسنة هى الموعظة الجامعة لجوامع الكلم وجادلهم بالتى اى بالمجادلة التى هى احسن وهى المجادلة الحقانية التى تكون بالرفق واللين والصفح والعفو والسمح والكلام بقدر العقول والنظر الى عواقب الامور والصبر والتأنى والتحمل والحلم وغير ذلك من خواص المجادلة التى هى احسن مثل كون المراد منها اظهار الحق وبيان الصدق لمن خالف الحق والصدق بكمال الاعراض عن جميع الاغراض والاعراض وتمام الترحم للمخالفين المعاندين الضالين عن سبيل الحق والصدق والجاهلين الغافلين السائرين الى سبيل الباطل والكذب وما سوى ذلك من الخواص واللوازم { ان ربك هو اعلم بمن ضل عن سبيله } [بآنكس كه كمراه شد ازراه حق كه اسلامست] واعرض عن قبول الحق بعدما عاين من الحكم والمواعظ والعبر { وهو اعلم بالمهتدين } بذلك اى ما عليك الا ما ذكر من الدعوة والتبليغ والمجادلة بالاحسن واما حصول الهداية والضلال والمجازاة عليهما فلا عليك بل الله اعلم بالضالين والمهتدين فيجازى كلا منهم بما يستحقه فكأنه قيل ان ربك اعلم بهم فمن كان فيه خير كفاه الوعظ القليل والنصيحة اليسيرة ومن لا خير فيه عجزت عنه الحيل وكأنك تضرب منه فى حديد بارد: قال الشيخ سعدى قدس سره

توان باك كردن ززنك آينه وليكن نيايد زسنك آينه

وقال الحافظ

كوهر باك ببايدكه شود قابل فيض ورنه هرسنك وكلى لؤلؤ ومرجان نشود

واعلم ان الناس ثلاثة اصناف. صنف مقطوع بحسن خاتمتهم مطلقا كالانبياء عليهم السلام والعشر المبشرة. وصنف مقطوع بسوء عاقبتهم كأبى جهل وقارون وهامان وفرعون وغيرهم ممن قطع بسوء خاتمتهم مطلقا. وصنف مشكوك فى حسن خاتمتهم مطلقا كعامة المؤمنين الابرار وكافة الكافرين الفجار فان الابرار كانوا ممدوحين فى ظاهر الشريعة من جهة العقائد والاعمال فى الحال والفجار كانوا مذمومين فى ظاهر الشريعة من تلك الجهة فى الحال لكن امرهم فى المآل مفوض الى الله تعالى والله يعلم المفسد من المصلح ومميز بينهما فى الآخرة والعاقبة فكم من ولى فى الظاهر يعود عدو الله ووليا للشيطان نعوذ بالله لكون ضلاله ذاتيا قد تداخله الاهتداء العارضى فاستترت ظلمته بصورة نور الاهتداء كاستتار ظلمة الليل بنور النهار عند ابلاج الليل فى النهار وكم من عدو وفى الظاهر يعود وليا لله وعدو للشيطان لكون اهتدائه اصليا قد تداخله الضلال العارضى فاستتر نوره بظلمة الضلال كاسستار نور النهار بظلمة الليل عند ايلاج النهار فى الليل فكما لا ينفع الاول الاهتداء العارضى ويكون غايته الى الهالك كذلك لا يضر هذا الثانى الضلال العارضى ويكون خاتمته الى النجاة
وعن ابى اسحاقرحمه الله تعالى قال كان رجل يكثر الجلوس الينا ونصف وجهه مغطى فقلت له انك تكثر الجلوس الينا ونصف وجهك مغطى اطلعنى على هذا قال وتعطينى الامان قلت نعم قال كنت نباشا فدفنت امرأة فاتيت قبرها فنبشت حتى وصلت الى اللبن فرفعت اللبن ثم ضربت بيدى الى الرداء ثم ضربت بيدى الى اللفافة فمددتها فجعلت تمدها هى فقلت أتراها تغلبنى فجثيت على ركبتى فجردت اللفافة فرفعت يدها فلطمتنى وكشفت وجهه فاذا أثر خمس اصابع فى وجهه فقلت له ثم ماذا قال ثم رددت عليها لفافتها وازارها ثم رددت التراب وجعلت على نفسى ان لا انبش ما عشت قال فكتبت بذلك الى الاوزاعى فكتب الىّ الاوزاعى ويحك اسأله عمن مات من اهل التوحيد ووجهه الى القبلة فسألته عن ذلك فقال اكثرهم حول وجهه عن القبلة فكتبت بذلك الى الاوزاعى فكتب الىّ انا الله وانا اليه راجعون ثلاث مرات اما من حول وجهه عن القبلة فانه مات على غير السنة اى على غير ملة الاسلام وذلك لان ترك العمل بالكتاب والسنة والاصرار على المعاصى يجر كثير من العصاة الى الموت على الكفر والعياذ بالله: قال الشيخ سعدى قدس سره

عروسى بود توبت ما تمت كرت نيك روزى بودى خاتمت

نسأل الله سبحانه ان يحفظ نور ايماننا وشمع اعتقادنا من صرصر الزوال ويثبت اقدامنا بالقول الثابت فى جميع الاوقات وعلى كل حال.