خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ
٤٢
-النحل

روح البيان في تفسير القرآن

{ الذين } اى المهاجرون هم الذين { صبروا } على مفارقة الوطن اللذى هو حرم الله المحبوب فى كل قلب فكيف بقلوب قوم هو مسقط رؤسهم - روى - "ان النبى صلى الله عليه وسلم لما توجه مهاجرا الى المدينة وقف ونظر الى مكة وبكى وقال والله انى لاخرج منك وانى لاعلم انك احب بلاد الله الى الله تعالى واكرمها على الله ولولا ان اهلك اخرجونى منك ما خرجت" قال الهمام

مشتاب ساربان كه مرا باى دركلست دركردنم زحلقه زلفش سلاسلست
تعجيل ميكنى تو وبايم نمى رود بيرون شدن زمنزل اصحاب مشكلشت
جون عاقبت زصحبت يا ران بريد نيست بيوند باكسى نكند هركه عاقلست

وكذا صبروا على مفارقة الاهل والشدائد من اذية الكفار وبذل الارواح ونحو ذلك { وعلى ربهم } خاصة { يتوكلون } منقطعين اليه معرضين عما سواه مفوضين اليه الامر كله والمعنى على المضى والتعبير بصيغة المضارع لاستحضار صورة توكلهم البديعة.
والاشارة
{ والذين هاجروا فى الله } بالابدان عما نهى الله عنه بالشريعة وهاجروا بالله بالقلوب عن الحظوظ الاخروية برعاية الطريقة وهاجروا الى الله بالارواح عن مقامات القربة ورؤية الكرامات بجذبات الحقيقة بل هاجروا عن الوجود المجازى مستهلكا فى بحر الوجود الحقيقى حتى لم يبق لهم فى الوجود سوى الله من بعدما ردوا الى اسفل السافلين لننزلنهم على اقرب القرب فى حال حياتهم ولاجر الآخرة اى بعد الخروج من الدنيا والخلاص من حبس اوصاف البشرية وتلوثها بها اكبر اى اعظم واجل واصفى واهنى وامرى مما كان لهم من حسنات الدنيا وكانوا يعلمون قدره ويؤدون شكره الذين صبروا على الائتمار بالاوامر وعلى الانتهاء عن النواهى بل صبروا على المجاهدات والمكابدات لنيل المشاهدات والمواصلات { وعلى ربهم يتوكلون } صبروا بالله فى طلبه وتوكلوا على الله فى وجدانه فبالصبر ساروا وبالتوكل طاروا ثم فى الله حاروا حيرة لا نهاية لها الى الابد كما فى التأويلات النجمية.
اعلم ان من توكل على الله وانقطع اليه كفاه الله لك مؤونة ومن انقطع الى الدنيا واهلها لا يتم امره فان اهل الدنيا لا تقدر على النفع وايصال الخير ما لم يرد الله. قال ابو سعيد الخراز قدس سره اقمنا بمكة ثلاثة ايام لم نأكل شيئاً وكان بحذائنا فقير معه ركوة مغطاة بحشيش وربما اراه يأكل خبزا حوارى فقلت له نحن ضيفك فقال نعم فلما كان وقت العشاء مسح يده على سارية فناولنى درهمين فاشترينا خبزا فقلت بما وصلت الى ذلك فقال يا ابا سعيد بحرف واحد تخرج قدر الخلق من قلبك تصل الى حاجتك.