خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَمَآ أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ ٱلَّذِي ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ
٦٤
وَٱللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ ٱلْسَّمَآءِ مَآءً فَأَحْيَا بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَآ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ
٦٥
-النحل

روح البيان في تفسير القرآن

{ وما انزلنا عليك الكتاب } اى القرآن لعلة من العلل { الا لتبين لهم } اى للناس { الذين اختلفوا فيه } من التوحيد واحوال المعاد والحلال والحرام والمراد بالمختلفين المؤمنون والكافرون كما فى الكواشى { وهدى ورحمة } معطوفوان على محل لتبين وانتصابهما لانهما فعلا الذى انزل الكتاب بخلاف التبين فانه فعل المخاطب لا فعل المنزل اى وللهداية من الضلالة والرحمة من العذاب { لقوم يؤمنون } وتخصيصهم لانهم المنتفعون بالقرآن. قال سهل بن عبد الله لا يتصل احد بالله حتى يتصل بالقرآن ولا يتصر بالقرآن حتى يتصل بالرسول ولا يتصل بالرسول حتى يتصل بالاركان التى قام بها الاسلام - حكى - عن مالك بم دينار انه قال يا حملة القرآن ماذا زرع القرآن فى قلوبكم فان القرآن ربيع المؤمن كما ان الغيث ربيع الارض. وعن على بن ابى طالب كرم الله وجهه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "انها ستكون فتنة قلت ما المخرج منها يا رسول الله قال كتاب الله فيه نبأ ما كان قبلكم وخبر ما كان بعدكم وحكم ما بينكم وهو العلم وهو الفصل ليس بالهزل لا تشبع منه العلماء وهو حبل الله المتين والذكر الحكيم والصراط المستقيم من قال به صدق ومن حكم به عدل ومن عمل به اجر ومن دعا اليه فقد هدى الى صراط مستقيم" ثم ان تبيين احكام القرآن للعامة وحقائقه للخاصة انما هو لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالاصالة والاستقلال ولورثته بعده قرنا بعد قرن بالفرعية والتبعية. فعلماء الظواهر يخلصون الناس من الاختلاف فيما يتعلق بالظواهر بالبيان الصريح. وعلماء البواطن يخلصونهم من الاختلاف فيما يتعلق بالبواطن بالكشف الصحيح ولكل منهم مشرب لا يخيب وارده وهم اساطين الدين وسلاطين المسلمين. واعلم ان الاتعاظ بالمواعظ القرآنية يدخل العبد فى السعادة الباقية ويخلصه من الحظوظ النفسانية - حكى - ان ابراهيم بن ادهم سر ذات يوم بمملكته ونعمته ثم نام فرأى رجلا اعطاه كتابا فاذا فيه مكتوب لا تؤثر الفانى على الباقى ولا تغتر بملكك فان الذى انت فيه جسيم لولا انه عديم فسارع الى امر الله فانه يقول { وسارعوا الى مغفرة من ربكم وجنة } فانتبه فزعا وقال هذا تنبيه من الله تعالى وموعظة وهدى ورحمة فتاب الى الله واشتغل بالطاعة: قال المولى الجامى قدس سره

هركه دل برعشوه كيتى نهاد برحذر باش از غرور وجهل او
دامن او كير كزهمت فشاند آستين بردنبى وبراهل او

شرفنا الله واياكم بالعصمة عن الهوى وبالتمسك باسباب الهدى { والله انزل من السماء } الى السحاب ومنه الى الارض { ماء } نوعا خاصا من الماء وهو المطر { فاحيا به الارض } اى انبت بسبب المطر فى الارض انواع النباتات { بعد موتها } اى بعد يبسها شبه تهييج القوى النامية فى الارض واحداث نضارتها بانواع النباتات بالاحياء وهو اعطاء الحياة وهى صفة تقتضى الحس والحركة وشبه يبوستها بعد نضارتها بالموت بعد الحياة وما يفيده الفاء من التعقيب العادى لا ينافيه ما بين المعطوفين من المهلة { ان فى ذلك } اى فى انزال الماء من السماء واحياء الارض الميتة به { لآية } دالة على وحدته تعالى وعلمه وقدرته وحكمته اذ الاصنام وغيرها لا تقدر على شئ { لقوم يسمعون } هذا التذكير ونظائره سماع تفكر وتدبر فكأنه من ليس كذلك اصم لا يسمع: وفى المثنوى

جون سليمان سوى مرغان سبا يك صفيرى كرد آن جمله را
جز مكر مرغى كه بدبى جان وبر باجو ما هى كنك بدازاصل كر
نى غلط كفتم كه كركر سرنهد بيش وحى كبريا سمعش دهد

وقال بعضهم{ والله انزل من السماء ماء } قرآنا هو سبب حياة المؤمنين فاحيي به قلوب الميتة بالجهل { ان فى ذلك لآية لقوم يسمعون } القرآن بسمع يسمع به كلام الله من الله فان الله تعالى متكلم بكلام ازلى ابدا ولا يسمع كلامه الامن اكرمه الله بسمع يسمع كلامه كقوله تعالى ولو علم الله فيهم خيرا لاسمعهم والحق تعالى تارة يتلو عليك الكتاب من الكبير الخارج وتارة يتلو عليك من نفسك فاسمع وتأهب لخطاب مولاك اليك فى أي مقام كنت وتحفظ من الوقر والصمم فالصمم آفة تمنعك عن ادراك تلاوته عليك من الكتاب الكبير وهو الكتاب المعبر عنه بالفرقان والوقر آفة تمنعك من ادراك تلاوته عليك من نفسك المختصرة وهو الكتاب المعبر عنه بالقرآن اذا الانسان محل الجمع لما تفرق فى العالم الكبير وعلامة السامعين المتحققين فى سماعهم انقيادهم إلى كل عمل مقرب الى الله تعالى من جهة سماعه اعنى من التكليف المتوجه على الاذن من امرا ونهى كسماعه للعلم والذكر والثناء على الحق تعالى والموعظة الحسنة والقول الحسن.
ومن علامته ايضا التصامم عن سماع الغيبة والبهتان والسوء من القول والخوض فى آية الله والرفث والجدال وسماع القينات وكل محرم حجر الشارع عليك سماعه قال الله تعالى
{ { واذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا فى حديث غيره انكم اذا مثلهم } فالكافر الخائض والمنافق الجليس له المستمع لخوضه كذلك من جالس الصديقين والعارفين فى مجالسهم المطهرة وانديتهم المقدسة فانه شريك لهم فى كل خير ينالون من الله تعالى وقد قال النبى عليه الصلاة والسلام فيهم "انهم القوم لا يشقى بهم جليسهم" فالمرؤ مع من جالس فى الدنيا بالطاعة والادب الشرعى وفى الآخرة بالمعاينة والقرب المشهدى نسأل الله تعالى ان يجعلنا مع الصلحاء فى الدنيا والآخرة انه الفياض الوهاب.