خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَٱللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ فِي ٱلْرِّزْقِ فَمَا ٱلَّذِينَ فُضِّلُواْ بِرَآدِّي رِزْقِهِمْ عَلَىٰ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَآءٌ أَفَبِنِعْمَةِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ
٧١
-النحل

روح البيان في تفسير القرآن

{ والله } تعالى وحده { فضل بعضكم على بعض فى الرزق } اى جعلكم متفاوتين فيه فمنكم غنى ومنكم فقير ومنكم مالك ومنكم مملوك. والرزق ما يسوقه الله تعالى الى الحيوان من المطعومات والمشروبات. وفيه تنبيه على ان غنى المكثر ليس من كياسته ووفور عقله وكثرة سعيه ولا فقر المقل من بلادته ونقصان عقله وقلة سعيه بل من الله تعالى ليس الا

كم عاقل عاقل اعيت مذاهبه وجاهل جاهل تلقاه مرزوقا

قال الحافظ

سكندر را نمى بخشند آبى بزور وزر ميسر نيست اين كار

قال ابن الشيخ وهذا التفاوت غير مختص بالمال بل هو واقع فى الذكاء والبلادة والرشد والدناءة الحسن والقباحة والصحة والسقامة وغير ذلك.

كنج زر كرنبود كنج قناعت باقيست آنكه آن داد بشاهان بكدايان اين داد

وفى التأويلات النجمية فضل الله الارواح على القلوب فى رزق المكاشفات والمشاهدات بعد الفناء والرد الى البقاء. وفضل القلوب على النفوس فى رزق الزهد والورع والتقوى والصدق واليقين والايمان والتوكل والتسليم والرضى. وفضل النفوس على الابدان فى رزق التزكية ومقاساة شدائد المجاهدات والصبر على المصائب والبلايا وحمل اعباء الشريعة باشارات الطريقة وتبديل الاخلاق الذميمة بالحميدة وفضل ابدان المؤمنين على ابدان الكافرين فى رزق الاعمال التى هى اركان الشريعة وقراءة القرآن والذكر باللسان مشرفة باخلاص بالجنان { فما الذين فضلوا } اى فليس الموالى الذين فضلوا فى الرزق على المماليك { برادى رزقهم } اى بمعطى رزقهم الى الذى رزقهم اياه اصله رادين سقط النون للاضافة { على ما ملكت ايمانهم } على ممالكيهم الذين هم شركاؤهم فى المخلوقية والمرزوقية { فهم } اى الملاك والمماليك { فيه } فى الرزق { سواء } فى الفاء دلالة على ترتب التساوى على الرد اى لا يردون عليهم ردا مستتبعا للمساوى فى التصرف والتشارك فى التدبير وانما يردون عليهم منه شيأ يسيرا والحاصل انهم لا يجعلون ما رزقناهم من الاموال وغيرها شركة بينهم وبين مماليكهم بحيث لا يرضون بمساواة مماليكهم لانفسهم وهم امثالهم فى البشرية والمخلوقية فما بالهم كيف جعلوا مماليكه تعالى ومخلوقه شركاء له مع كمال علوه فأين التراب ورب الارباب. وهذا كما ترى مثل ضرب لكمال قباحة ما فعله المشركون تقريعا عليهم وكانوا يقولون فى التلبية لبيك لا شريك لك الا شريك هو لك { أفبنعمة الله يجحدون } الفاء للعطف على مقدر وهى داخلة فى المعنى على الفعل والجحود الانكار والباء لتضمينه معنى الكفر. والمعنى أبعد علمهم بان الرزاق هو الله تعالى يشركون به فيجحدون نعمته فان الاشراك يقتضى ان يضيفوا نعم الله الفائضة عليهم الى شركائهم وينكروا كونها من عند الله تعالى فالله تعالى يدعو عباده بهذه الآية الى التوحيد ونفى الشرك حتى يتخلصوا من الشرك والظلمات ويتشرفوا بالتوحيد الخالص والانوار العاليات. فعلى العبد الطاعة والسعى الى تحصيل الرضوان والعرفان وانما الرزق على المولى الكريم المنان. ومن الكلمات التى نقلها كعب الاحبار عن التوراة "يا بن آدم خلقتك لعبادتى فلا تلعب وقسمت رزقك فلا تتعب وفى اكثر منه لا تطمع ومن اقل منه لا تجزع فان انت رضيت بما قسمته لك ارحت قلبك وبدنك وكنت عندى محمودا وان كنت لم ترض به وعزتى وجلالى لأسلطن عليك الدنيا تركض فيها ركض الوحش فى البر ولا ينالك منها إلا ما قسمته لك وكنت عندى مذوما. يا ابن آدم خلقت لك السموات والارضين لم اعى بخلقهن أيعيينى رغيف اسوقه اليك من غير تعب. يا ابن آدم انا لك محب فبحبى عليك كن لى محبا. يا ابن آدم لا تطالبنى برزق غد كما لا اطالبك بعمل غد فانى لم انس من عصانى فكيف من اطاعنى" واعلم ان عباد الله فى باب الرزق على وجوه منهم من جعل رزقه فى الطلب فمن جعل رزقه فى الطلب فعليه بكسب الحلال الطيب كعمل اليد مثلا. ومنهم من جعل رزقه فى القناعة وهى فى اللغة الرضى بالقسمة وفى اصطلاح اهل الحقيقة هى السكون عند عدم المألوفات. ومنهم من جعل رزقه فى التوكل وهو الثقة بما عند الله واليأس مما فى ايدى الناس. ومنهم من جعل رزقه فى المشاهدة والمجاهدة كما قال صلى الله عليه وسلم "ابيت عند ربى يعطمنى ويسقينى" وهو اشارة الى المشاهدة وقال "جعل رزقى تحت ظل رمحى" وهو اشارة الى المجاهدة فعلى العاقل المجاهدة والعبادة لله تعالى خالصا لا لأجل تنعم النفس فى الجنة والخلاص من النار فانها معلولة والمعبود فى الحقيقة هو الثواب والعقاب ولذا قال فى المثنوى

هشت جنت هفت دوزخ بيش من هست بيدا همجوبت بيش وثن