خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُوۤاْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
٩٦
-النحل

روح البيان في تفسير القرآن

{ ما عندكم } من اعراض الدنيا وان كثرت { ينفد } يفنى وينقضى { وما عند الله } من انواع رحمة المخزونة { باق } لانفاد وهو حجة على الجهمية لانهم يقولون بان نعيم الجنة يتناهى وينقطع { ولنجزين } اى والله لنعطين { الذين صبروا } على اذية المشركين ومشاق الاسلام التى من جملتها الوفاء بالعهود والفقر { اجرهم } الخاص بهم بمقابلة صبرهم على الامور المذكورة وهو مفعول ثان لنجزين { باحسن ما كانوا يعملون } اى لنجزينهم بما كانوا يعملونه من الصبر المذكور وانما اضيف اليه الاحسن للاشعار بكمال حسنه كما فى قوله تعالى { وحسن ثواب الآخرة } فقد علم من الآيات ان للوفاء بالعهد والثبات على الايمان والصبر على المشاق ثمرات دنيويه واخروية. فعلى العاقل ان لا ينقض المعاهدة التى بينه وبين الله وكذا بين العلماء العاملين والصلحاء الكاملين. وعن بعض اهل العلم كنت بالمصيصة فاذا برجلين يتكلمان فى الخلوة مع الله تعالى فلما ارادا ان ينصرفا قال احدها للآخر تعال نجعل لهذا العلم ثمرة ولا يكون حجة علينا فقال له اعزم على ما شئت فقال ان لا آكل ما لمخلوق فيه صنع قال فتبعتهما وقلت انا معكما فقالا على الشرط قلت على أى شرط شرطتما فصعدا جبل لكام ودلانى على كهف وقالا تعبد فيه فدخلت فيه وجعل كل واحد يأتينى بما قسم الله تعالى وبقيت مدة ثم قلت الى متى اقيم ههنا انا اسير الى طرطوس وآكل من الحلال واعلم الناس العلم واقرئ القرآن فخرجت ودخلت طرطوس واقمت بها سنة فاذا انا برجل منهما قد وقف علىّ وقال يا فلان خنت فى عهدك ونقضت الميثاق ألا انك لو صبرت كما صبرنا لوهب لك ما وهب لنا قلت ما الذي وهب لكما قال ثلاثة اشياء طى الارض من المشرق الى المغرب بقدم واحد والمشى على الماء والحجبة اذا شئنا ثم احتجب عنى ففى هذه الحكاية ما يغنى العاقل عن التصريح فانظر الى ذلك العالم كيف اختار ما عند الناس فحرم مما عند الله من الكرامات والكمالت وذلك ان نقض العهد بسبب عرض دنيوى فى صورة امر دينى فان التعليم واقراء الناس وان كان من الامور الاخروية الا انه لا بد لطالب الحق حين تخليه وانقطاعه من التجرد عن كل اسم ورسم وصورة: فان قيل

منصب تعليم نوع شهوتيست

وما يعقل هذا المقام الا العالمون وفى المثنوى

كرنبودى امتحان هربدى هر مخنث دروغا رستم بدى
خود مخنث را زره بووشيده كير جون به بيند زحم كردد جون اسير

ونعم ما قيل وعند الامتحان يكرم الرجل او يهان فمن زل عند الامتحان فقد افتضح وذاق وجع القطعية والفراق وماله من خلاق ومن ثبت وصبر وافتكر العاقبة ظفر بالمراد وجوزى جزاء لا يعلمه الا رب العباد فانه اعد لعباده الصالحين مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.