خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

مَّنِ ٱهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولاً
١٥
-الإسراء

روح البيان في تفسير القرآن

{ من اهتدى }[هركه راه يابد وبراه رلست رود] اى بهداية القرآن وعمل بما فى تضاعيفه من الاحكام وانتهى عما نهاه { فانما يهتدى لنفسه } فانما تعود منفعة اهتدائه الى نفسه لا تتخطاه الى غيره ممن لم يهتد { ومن ضل } عن الطريقة التى يهديه اليها { فانما يضل عليها } فانما وبال اضلاله عليها لا على من عداه ممن لم يباشره حتى يمكن مفارقة العمل من صاحبه.
وقال البيضاوى لا ينجى اهتداؤه غيره ولا يردى ضلاله سواه اى فى الآخرة والا ففى حكم الدنيا يتعدى نفع الاهتداء وضرر الضلال الى الغير كما فى حواشى سعدى المفتى { ولا تزر وازرة وزر اخرى }.
قال فى القاموس الوزر بالكسر الاثم والثقل والحمل الثقيل انتهى اى لا تحمل نفس حاملة للوزر اى الاثم وزر نفس اخرى حتى يمكن تخلص النفس الثانية من وزرها ويختل ما بين العامل وعمله من التلازم بل انما تحمل كل منهما وزرها فلا يؤاخذ احد بذنب غيره وهذا تحقيق لمعنى قوله تعالى
{ وكل انسان الزمناه طائره فى عنقه } واما ما يدل عليه قوله تعالى { من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها } وقوله تعالى { ليحملوا اوزارهم كاملة يوم القيامة ومن اوزار الذين يضلونهم بغير علم } من حمل الغير وزر الغير وانتفاعه بحسنته وتضرره بسيئه فهو فى الحقيقة انتفاع بحسنة نفسه وتضرر بسيئته فان جزاء الحسنة والسيئة اللتين يعملهما العامل الازم له وانما الذى يصل الى من يشفع جزاء شفاعته لا جزاء اصل الحسنة والسيئة وكذلك جزاء الضلالة وقوله { ولا تزر } الخ تأكيد للجملة الثانية وانما خص بها قطعا للاطماع الفارغة حيث كانوا يزعمون انهم لم يكونوا على الحق فالتبعة على اسلافهم الذين قلدوهم والتبعة ما يترتب على الشئ من المضرة ويتفرع عليه من العقوبة.
وقال الكاشفى [وليد بن مغيره كافرانرا ميكفت متابعت من كنيد ومن كناهان شمارا بردارم حق سبحانه وتعالى ميفر ما يدكه هر نفسى بارخود خواهد برداشت نه بار ديكرى] هذا.
وقد قال بعضهم المراد بالكتاب نفسه المنشقة بآثار اعماله فان كل عمل يصدر من الانسان خيرا او شرا يحدث منه فى جوهر روحه اثر مخصوص الا ان ذلك الاثر يخفى ما دام الروح متعلقا بالبدن مشتغلا بواردات الحواس والقوى فاذا انقطعت علاقته عن البدن قامت قيامته لان النفس كانت ساكنة مستقرة فى الجسد وعند ذلك قامت وتوجهت نحو الصعود الى العالم العلوى فيزول الغطاء وينكشف الاحوال يظهر على لوح النفس نقش كل شئ عمله فى مدة عمره وهذا معنى الكتابة والقراءة بحسب العقل وانه لا ينافى ما ورد فى النقل بل يؤيد هذا المعنى ما روى عن قتادة يقرأ ذلك اليوم من لم يكن فى الدنيا قارئا ثم المراد بالقيامة علىهذا التفصيل هى القيامة الصغرى لكن هذا الكلام اشبه بقواعد الفلسفة كما فى حواشى سعدى المفتى.
يقول الفقير لا يخفى ان الآخرة جامعة للصورة والمعنى فللانسان صحيفتان صحيفة عمله التى هى الكتاب وصحيفة نفسه فكل منهما ناطق عن عمله وحاله كما قال فى التأويلات النجمية يجوز ان يكون هذا الكتاب الذى لا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا احصاها نسخة نسخها الكرام الكاتبون بقلم اعماله فى صحيفة انفاسه من الكتاب الطائر الذى فى عنقه ولهذا يقال له
{ اقرأ كتابك } اى كتابتك التى كتبتها { كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا } فان نفسك مرقومة بقلم اعمالك اما برقوم السعادة او برقوم الشقاوة من اهتدى الى الاعمال الصالحة فانما يهتدى لنفسه فيرقمها برقوم السعادة ومن ضل عنها بالاعمال الفاسدة فانما يضل عليها فيرقمها برقوم الشقاوة { ولا تزر وازرة وزر اخرى } اى لا يرقم راقم بقلم اوزاره نفس غيره { وما كنا معذبين } اى وما صح وما استقام منا بل استحال فى عادتنا المبنية على الحكم البالغة ان نعذب احدا من اهل الضلال والاوزار اكتفاء بقضية العقل { حتى نبعث } اليهم { رسولا } يهديهم الى الحق ويردعهم عن الضلال ويقيم الحجج ويمهد الشرائع قطعا للمعذرة والزاما للحجة.
وفيه دلالة على ان البعثة واجبة لا بمعنى الوجوب على الله بل بمعنى ان قضية الحكمة تقتضى ذلك لما فيه من المصالح والحكم والمراد بالعذاب المنفى هوالعذاب الدنيوى وهو من مقدمات العذاب الاخروى فجوزوا على الكفر والمعاندة بالعذاب فى الدارين وما بينهما ايضا وهو البرزخ والبعث غاية لعدم صحة وقوعه فى قوته المقدر له لا لعدم وقوعه مطلقا كيف لا والاخروى لا يمكن وقوعه عقيب العبث والدنيوى ايضا لا يحصل الا بعد تحقق ما يوجبه من الفسق والعصيان.