خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً
٣٠
-الإسراء

روح البيان في تفسير القرآن

{ ان ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر } يوسعه على بعض ويضيقه على بعض آخرين بمشيئته التابعة للحكمة وبالفارسية [بدرستى كه بروردكار توكشاده مى كرداند روزى را برى هركه خواهد وتنك مى سازد براى هركه ارادت او اقتضا كند واين يبسط وقبض از محض حكمت است وكس زهرة اعتراض ندارد].
وفى التأويلات النجمية يشير به الى الخروج عن أوطان البشرية والطبيعية الانسانية الى فضاء العبودية بقدمى التوكل على الله وتفويض الامور اليه فان كان يبسط للنفس فى بعض الاوقات ببعض المرادات ليفرش لها بساط البسط ويقدر عليها فى بضع الاوقات متمناها ليضبط احوالها بمجامع القبض فالامور موكولة الى حكمه البالغة واحكامه الازلية { انه كان بعباده خبيرا بصيرا } اى يعلم سرهم وعلنهم فيعلم من مصالحهم ما يخفى عليهم قال الله تعالى
"وان من عبادى المؤمنين من لا يصلح ايمانه الا الغنى لو افقرته لافسده ذلك وان من عبادى المؤمنين من لا يصلح ايمانه الا الفقر لو اغنيته لافسده ذلك وان من عبادى المؤمنين من لا يصلح ايمانه الا الصحة لو اسقمته لافسده ذلك وان من عبادى المؤمنين من لا يصلح ايمانه الا السقم لو اصححته لافسده ذلك انى ادبر امر عبادى بعلمى بقلوبهم انى عليم خبير" رواه انس رضى الله عنه كما فى بحر العلوم فيغنى الله ويفقر ويبسط ويقبض لو اغناهم جميعا لطغوا لو افقرهم لنسوا فهلكوا وفى الحديث "بادروا بالاعمال خمسا غنى مطغيا وفقرا منسيا وهرما مفندا ومرضا مفسدا وموتا مجهزا" فاذا كان الغنى لبعض مطغيا صرفه الله تعالى عمن علم ذلك منه وافقره لان الفقر علم منه انه لا ينسيه بل يشغل لسانه بذكره وحمده وقلبه بالتوكل عليه والالتجاء اليه واذا كان الفقر لبعضهم منسيا صرفه عمن علم ذلك منه: وفى المثنوى

فقر ازين رو فخر آمد جودان كه بتقوى ماند دست نارسان
زان غنا وزان مردود شد كه ز قدرت صبرها بدرود شد
آدمى را عجز وفقر آمد امان از بلاى نفس بر حرص وغمان

فعلى العاقل التسليم لامر الله تعالى والرضى بقضائه والصبر فى موارد القبض والشكر فى مواقع البسط والانفاق مهما امكن.
قال فى اسرار المحمدية كان اويس القرنىرحمه الله اذا اصبح او امسى تصدق بما فى بيته من الفضل من الطعام والثياب ثم يقول اللهم من مات جوعا فلا تؤاخذنى به ومن مات عريانا فلا تؤاخذنى به.
وكان الخلاجرحمه الله يقول مخبرا عن حاله اذا قعد الرجل عشرين يوما جائعا ثم فتح له طعام فعرف ان فى البلد من هو احوج الى ذلك منه فاكله ولم يؤثر به ذلك المحتاج فقد سقط عن رتبته وهذا مقام عال بالنسبة الى حال اويس ظاهرا ولكن قال الشيخ الكامل محمد بن على العربى قدس سره اعلم ان قول اويس ينبه على مقامه الاعلى وطبيعته المثلى لان ذلك القول معرب عن حال امام الوقت فيطعى ما ملك ويتضرع هذا التضرع لمن استخلفه على عبيده بالرحمة لهم والشفقة عليهم والمكمل من سبقت رحمته غضبه كما اخبر الله سبحانه عن اكمل الخلفاء وسيد الاقطاب بقوله
{ وما ارسلناك الا رحمة للعالمين } ولكن العارف اذا كان صاحب حال مثل الحلاج فرق بين نفسه ونفس غيره فعامل نفسه بالشدة والقهر والعذاب ونفس غيره بالايثار والرحمة والشفقة. واما اذا كان صاحب مقام وتمكين وقوة بان عرف الفرق بين الحال والمقام صارت نفسه عنه اجنبية وارتفع هو علويا وبقيت مع ابناء جنسها سفلية فلزمه العطف عليها كما لزمه العطف على غيرها لان ادب العارف من ذى الولاية انه اذا خرج بصدقة ولقى اول مسكين يليق لدفع الصدقة اليه يدفعها اليه البتة فاذا تركه الى مسكين آخر ولم يدفع للاول فقد انتقل من ربه الى هوى نفسه فانها مثل الرسالة لا يختص بالدعوة شخصا دون شخص فاول من يلقاه بقوله قل لا اله الا الله فالولى الكامل خليفة الرسول فاذا وهب البارى للولى رزقا يعلم انه مرسل به الى عالم النفوس الحيوانية فينزل من سماء عقله الى ارض النفوس ليؤدى اليهم ذلك القدر الذى وجه به فاول نفس تستقبله نفسه لا نفس غيره لان النفوس الغير ليست متعلقة به فلا تعرفه. واما نفسه فمتعلقة به ملازمة بابه فلا يفتحه الا عليها فتطلب امانتها فيقدمها على غيرها بالاعطاء لانها اول سائل والى هذا السر اشار الشارع صلى الله عليه وسلم بقوله "ابدأ بنفسك ثم بمن تعول" والاقربون اولى بالمعروف لتعلقهم بك ولزومهم بابك ولا تعلق للغير بك ولا له ملازمة نفسك واهلك فلما تأخروا اخروا كسائر اسرار الله تعالى متى خرج من عند الحق على باب الرحمة فأى قلب وجد سائلا متعرضا دفع اليه حظه من الاسرار والحكم على قدر ما يراقبه من التعطش والجوع والذلة والافتقار وهم خاصة الله وعلى هذا المقام حرض الشارع بقوله (تعرضوا لنفحات الله سبحانه) وهذا سر الحديث ومراد الشرع فمن تأخر اخر ومن نسى نسى فانظر الآن كم بين المنزلتين والمقامين ثم انظر ايضا الى هذا المقام على علوه وسموه كيف اشترك فى الظاهر مع احوال العامة فانهم اول ما يجودون فعلى نفوسهم ثم الى غيرها وانما تصرفهم تحت حكم هذه الحقيقة وهم لا يشعرون وبعماهم عن هذه الاسرار ونزولهم الى حضيض البهائم بحيث لا يعرفون مواقع اسرار العالم مع الله حرصوا على الايثار ومدحوا به وهو مقام الحلاج الذى ذكر عنه وظننت انه غاية فى الترقى والعلو وهكذا فلتعزل الحقائق وتحاك حلل الدقائق اهم كلام الشيخ الا كبر والكبريت الاحمر والمسك الا ذفر قدس سره الاطهر.