خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ يَقْرَؤونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً
٧١
وَمَن كَانَ فِي هَـٰذِهِ أَعْمَىٰ فَهُوَ فِي ٱلآخِرَةِ أَعْمَىٰ وَأَضَلُّ سَبِيلاً
٧٢
-الإسراء

روح البيان في تفسير القرآن

{ يوم ندعو } نصب باضمار اذكر على انه مفعول به { كل اناس }[هر كر وهى را ازبنى آدم] والاناس جمع الناس كما فى القاموس { بامامهم } اى بمن ائتموا به من نبى فيقال يا امة موسى ويا امة عيسى ونحو ذلك او مقدم فى الدين فيقال يا حنفى ويا شافعى ونحوهما او كتاب فيقال يا اهل القرآن ويا اهل الانجيل وغيرهما او دين فيقال يا مسلم ويا يهودى ويا نصرانى ويا مجوسى وغير ذلك.
وفى التأويلات النجمية يشير الى ما يتبعه كل قوم وهو امامهم. فقوم يتبعون الدنيا وزينتها وشهواتها فيدعون يا اهل النيا.وقوم يتبعون الآخرة ونعيمها ودرجاتها فيدعون يا اهل الآخرة. وقوم يتبعون الرسول صلى الله عليه وسلم محبة لله وطلبا لقربته ومعرفته فيدعون يا اهل الله.
وقيل الامام جمع ام كخف وخفاف والحكمة فىدعوتهم ومهاتهم اجلال عيسى عليه السلام وتشريف الحسنين رضى الله عنهما اذ فى نسبتهما الى امهما اظهار انتسابهما الى رسول الله صلى الله عليه وسلم نسبا بخلاف نسبتهما الى ابيهما والستر على اولاد الزنى وينصره ما روى عن عائشة رضى الله عنها وابن عباس رضى الله عنهما ان النبى عليه الصلاة والسلام قال
"ان الله يدعو الناس يوم القيامة بامهاتهم سترا منه على عباده" كما فى بحر العلوم ويؤديه ايضا حديث التلقين حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اذا مات احد من اخوانكم فسويتم عليه التراب فليقم احدكم على رأس قبره ثم ليقل يا فلان ابن فلانة فانه يسمعه ولا يجيب ثم يقول يا فلان ابن فلانه فانه يستوى قاعدا ثم يقول يا فلان ابن فلانة فانه يقول ارشدك الله رحمك الله ولكن لا تشعرون فليقل اذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة ان لا اله الا الله وان محمدا عبده ورسوله وانك رضيت بالله ربا وبالاسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا وبالقرآن اماما وبالكعبة قبلة فان منكرا ونكيرا يأخذ كل واحد منهما بيد صاحبه يقول انطلق لا تقعد عن من لقن حجته فيكون حجيجه دونهما فقال رجل يا رسول الله فان لم يعرف اسم امه قال فلينسبه الى حواء" ذكره الامام السخاوى فى المقاصد الحسنة وصححه باسانيده وكذا الامام القرطبى فى تذكرته وفهم منه شيآن الاول استحباب القيام وقت التلقين والثانى ان المرء يدعى باسمه واسم امه لا باسم ابيه ولكن جاء فى احاديث المقاصد والمصابيح انه عليه السلام قال "انكم تدعون يوم القيامة باسمائكم واسماء آبائكم" ولعله لا يخالف ما سبق فانه ورد ترغيبا فى تحسين الاسماء وتغيير القبيح منها اذ كانوا يسمون بالاسماء القبيحة على عادة الجاهلية مثل المضطجع واصرم وعاصية ونحوها وكان عليه السلام يغير القبيح الى الحسن فغير اصرم وهو الصرم بمعنى القطع الى زرعة وهو بالضم والسكون قطعة من الزرع كأنه قال لست مقطوعا بل انت منبت متصل بالاصل وغير المضطجع الى المنبعث وعاصية الى جميلة { فمن } [هركه را] { اوتى } [داده شود] يومئذ من اولئك المدعوين { كتابه } صحفه اعماله { بيمينه } وهم السعداء وفى ايتاء الكتاب من جانب اليمين تشريف لصاحبه وتبشير { فاولئك } الجمع باعتبار معنى من { يقرأون كتابهم } قراءة ظاهرة مسرورين وينتفعون بما فيه من الحسنات ولم يذكر الاشقياء وان كانوا يقرأون كتبهم ايضا لانهم اذا قرأوا ما فيها لم يفصحوا به خوفا وحياء وليس لهم شئ من الحسنات ينتفعون به { ولا يظلمون } الى لا ينقصون من اجور اعمالهم المرتسمة فىكتبهم بل يؤتونها مضاعفة { فتيلا } اى قدر فتيل وهو ما يفتل بين اصبعين من الوسخ او القشرة التى فى شق النواة او ادنى شئ فان الفتيل مثل فى القلة والحقارة { ومن } [وهركه } اى من المدعوين المذكورين { كان فى هذه } الدنيا { اعمى } اعمى القلب لا يهتدى الى رشده. يعنى { دلش راه صواب نه بيند] { فهو فى الآخرة اعمى } لا يرى طريق النجاة لان العمى الاول موجب للثانى فالكافر لا يهتدى الى طريق الجنة والعاصى الى ثواب المطيع والقاصر الى مقامات الكاملين { واضل سبيلا } من الاعمى فى الدنيا لزوال الاستعداد وتعطل الاسباب والآلات وفقدان المهلة.
قال فى التأويلات النجمية { فمن اوتى كتابه بيمينه } فهو اهل السعادة من اصحاب اليمين وفيه اشارة الى ان السابقين الذين هم اهل الله تعالى لا يؤتون كتابهم كما لا يحاسبون حسابهم { فاولئك يقرأون كتابهم } لانهم اصحاب البصيرة والقراءة والدراية { ولا يظلمون فتيلا } فى جزاء اعمالهم الصالحة وفيه اشارة الى ان اهل الشقاوة الذين هم اصحاب الشمال لا يقرأون كتابهم لانهم اصحاب العمى والجهالة { ومن كان فى هذه اعمى } اى فى هذه القراءة والدراية بالبصيرة اعمى فى الدنيا لقوله { فانها لا تعمى الابصار } الآية { فهو فى الآخرة اعمى } لان يوم تبلى السرائر تجعل الوجوه من السرائر فمن كان فى سريرته اعمى ههنا يكون ثمة فى صورته اعمى للمبالغة لان عمى السريرة ههنا كان قابلا للتدارك وقد خرج ثمة الامر من التدارك فيكون اعمى عن رؤية الحق { واضل سبيلا } فى الوصول اليه لفساد الاستعداد واعزاز التدارك انتهى.
يقول الفقير ان قلت هل يحصل الترقى والتيقظ لبعض الافراد بعد الموت الصورى. قلت ان السالك الصادق فى طلبه اذا سافر من مقام طبيعته ونفسه فمات فى الطريق اى بالموت الاضطرارى قبل ان يصل الى مراده بالموت الاختيارى فله نصيب من اجر الواصلين واليه الاشارة بقوله تعالى
{ ومن يخرج من بيته مهاجرا الى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع اجره على الله } كما قال بعض الكبار من مات قبل الكمال فمراده يجيئ اليه كما ان من مات فى طريق الكعبة يكتب له اجر حجين انتهى
اشار الى ان الله تعالى قادر على ان يكمله فى عالم البرزخ بواسطة روح من الارواح او بالذات فيصير امره بعد النقصان الموهوم الى الكمال المعلوم وقد ثبت فى الشرع ان الله تعالى يوكل ملكا لبعض عباده فى القبر فيقرئه القرآن ويعلمه اى ان كان قد مات اثناء التعلم. واما غير السالك فلا يجد الترقى بعد الموت اى بالنسبة الى معرفة الحق اذ من المتفق شرعا وعقلا وكشفا ان كل كمال لم يحصل للانسان فى هذه النشأة وهذى الدار فانه لا يحصل له بعد الموت فى الدار الآخرة كما فى الفكوك فما يدل على عدم الترقى بعد الموت من قوله تعالى
{ ومن كان فى هذه اعمى فهو فى الآخرة اعمى } انما هو بالنسبة الى معرفة الحق لا لمن لا معرفة له اصلا فانه اذا انكشف الغطاء ارتفع العمى بالنسبة الى دار الآخرة ونعيمها وجحيمها والاحوال التى فيها واما قوله عليه السلام "اذا مات ابن آدم انقطع عمله" فهو يدل على ان الاشياء التى يتوقف حصولها على الاعمال لا تحصل وما لا يتوقف عليها بل يحصل بفضل الله ورحمته فقد يحصل وذلك من مراتب الترقى كما فى شرح الفصوص للمولى الجامى قدس سره فقوله تعالى { ليس للانسان الا ما سعى } ليس معناه ان ما يحصل للانسان مقصور على سعيه بل معناه ليس للانسان الا ما يمكن ان يكون بسعيه فما يمكن ان يكون بسعيه فهو بسعيه والباقى فضل من الله تعالى كالسعى فى مرتبة الملك. واما الملكوت فلا يمكن الا بمحض فضل الله فلا مدخل فيه للسعى كما فى الواقعات المحمودية.
فعلى العاقل ان يسعى فى تحصيل البصيرة قبل ان يخرج من الدنيا ويكون من الذين يشاهدون الله تعالى فى كل مرآة من المرايا: وفى المثنوى

اين جهان برآ فتاب ونوره ماه او بهشته سرفرو برده بجاه
كه اكر حقست كوآن روشنى سربر آر ازجاه بنكر اى دنى
جمله عالم شرق وغرب آن نوريافت تاتودر جاهى نخواهد برتوتافت
جه رها كن رو بايوان وكروم كم هتيزا ينجا بدان كاللج شوم
اى بسابيدار جشم وخفته دل خودجه بيند جشم اهل آب وكل
وانكه دل بيدار ودارد جشم سر ربخسبد بر كشايد صد بصر
كرتو اهل دل نه بيدار باش الب دل باش ودربيكار باش
وردلت بيدار شدمى خسب خوش ست غائب ناظرت ازهفت وشش
كفت بيغمبركه خسبد جشم من يك كى خسبد دلم اندر وسن
شاه بيدارست حارس خفته كير ان فداى خفتكان دل بصير