خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِ قُلِ ٱلرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ ٱلْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً
٨٥
-الإسراء

روح البيان في تفسير القرآن

{ ويسألونك } [آورده اندكه كفار عرب نضر بن حارث وابى بن خلف وعقبة بن ابى معيط را بمدينه فرستادند تا از يهود يثرب استفسار حال حضرت بيغمبر عليه السلام نمايند جون با ايشان ملاقات كرده احوال باز كفتند يهود متعجب شد كفتند اى صناديد عرب ما دانسته ايم كه زمان ظهور بيغمبرى نزديكست وازسخنان شما رائحه احوال آن نبى استشمام ميتوان كرد شما بجهت آز مايش ازوبر سيد كه طواف مشرق ومغرب كه كرده واحوال جوانان كه درزمان بيشين كم شدند جوكنه است وروح جيست اكرهرسه سؤال راجواب دهد ياهيج كدام را جواب ندهد بدانيدكه او بيغمبر نيست واكر دورا جوا دهد وازروح هيج نكويد بيغمبر است ايشان بمكة آمده مجلس ساختند وازان حضرت سؤال كردند آن دوسؤال را جوا بداد ودر قصه روح اين آيت نازل شد] { ويسألونك } اى اليهود { عن الروح } الذى هو روح البدن الانسانى ومبدأ حياته سألوه عن حقيقته فاجيبوا بقوله { قل الروح من امر ربى } اى من جنس ما استأثر الله بعلمه من الاسرار الخفية التى لا يكاد يحوم حولها عقول البشر فالامر واحد الامور بمعنى الشأن والاضافة للاختصاص العلمى لا الايجادى لاشتراك الكل فيه كذا فى الارشاد.
وقال البيضاوى من الابداعيات الكائنة بكن من غير مادة وتولد من اصل كاعضاء جسده انتهى.
اعلم ان ما تعلق به الايجاد ودخل تحت الوجود فاما ان يكون حصوله ووجوده لا من مادة ولا فى مدة فهو المبدعات كالمجردات فهى موجودة من كل وجه بالفعل وليس لها حالة منتظرة الوجود وهى مظاهر للاسماء التى بحركة بعضها يتقدر الزمان واما من مادة وفى مدة فهى المسميات بالمحدثات وهى العناصر والمركبات منها واما فى مدة لا من مادة فقيل لا وجود لهذا القسم لان كل ما يتحصل فى مدة لا بد وان يكون من مادة الاعلى قول من ذهب بحدوث النفس الناطقة عند حدوث البدن وهذه الاقسام الباقية مظاهر الاسماء المتغيرة الاحكام على الوجه الذى اطلع عليه اهل الله ذكره دواود القيصرى قدس سره.
قال حضرت شيخى وسندى روح الله روحه الظاهر فى شرح تفسير الفاتحة للشيخ صدر الدين القنوى قدس سره الخلق عالم العين والكون والحدوث روحا وجسما والامر عالم العلم والالة والوجوب وعالم الخلق تابع لعالم الامر اذ هو اصله ومبدأ قل الروح من امر ربى انتهى وسيجيئ غير هذا { وما اوتيتم } ايها المؤمنون والكافرون كما فى تفسير الكواشى { من العلم الا قليلا } لا يمكن تعلقه بامثال ذلك اى الا علما قليلا تستفيدونه من طرق الحواس فان اكتساب العقل للمعارف النظرية انما هو من الضروريات المستفادة من احساس الجزئيات ولذلك قيل من فقد حسا فقد علما ولعل اكثر الاشياء لا يدركه الحسن ولا شيئا من احوال المعرفة لذاته وهو اشارة الى ان الروح مما لم يمكن معرفة ذاته الا بعوارض تميزه عما يلتبس به.
قال فى بحر العلوم الخطاب فى { وما اوتيتم } عام ويؤيده ما روى
"ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قال لهم ذلك قالوا انحن مختصون بهذا الخطاب ام انت معنا فيه فقال بل نحن وانتم لم نؤت من العلم الا قليلا فقالوا ما اعجب شأنك ساعة تقول ومن يؤت الحكمة فقد اوتى خيرا كثيرا وساعة تقول هذا فنزلت { ولو ان ما فى الارض من شجرة اقلام والبحر يمده من بعده سبعة ابحر ما نفذت كلمات الله }" ما قالوه باطل مردود فان علم الحادث فى جنب علم القديم قليل اذ علم العباد متناه وعلم الله لا نهاية له والمتناهى بالنسبة الى غير المتناهى كقطرة بالاضافة الى بحر عظيم لا غاية له.
قال بعض الكبار علم الاولياء من علم الانبياء بمنزلة قطرة من سبعة ابحر وعلم الانبياء من علم نبينا محمد عليه السلام بهذه المثابة وعلم نبينا من علم الحق سبحانه بهذه المنزلة فالعلم الذى اوتيه العباد وان كان كثيرا فى نفسه لكنه قليل بالنسبة الى علم الحق تعالى [شيخ ابومدين مغربى قدس سره فرمودكه اين اندكى كه خدى تعالى داده است از علمنه ازان ماست بلكه عاريتست نزيدك ما وبسيارى آن برسيده ايم بس على الدوام جاهلانيم وجاهل رادعوى دانش نرسد] قال المولى الجامى

سبحانك لا علم لنا الا ما علمت والهمت لنا الهاما

قال فى الكواشى اختلفوا فى الروح وماهيته ولم يأت احد منهم على دعواه بدليل قطعى غير انه شئ بمفارقته يموت الانسان وبملازمته له يبقى انتهى.
يقول الفقير الروح سلطانى وحيوانى والاول من عالم الامر ويقال له المفارق ايضا لمفارقته عن البدن وتعلقه به تعلق التدبير والتصرف وهو لا يفنى بخراب هذا البدن وانما يفنى تصرفه فى اعضاء البدن ومحل تعينه هو القلب الصنوبرى والقلب من عالم الملكوت والثانى من عالم الخلق ويقال له القلب والعقل والنفس ايضا وهو سار فى جميع اعضاء البدن الا ان سلطانه قوى فى الدم فهو اقوى مظاهره ومحل تعينه هو الدماغ وهو انما حدث بعد تعلق الروح السلطانى بهذا الهيكل المحسوس فهو من انعكاس انوار الروح السلطانى وهو مبدأ الافعال والحركات فان الحياة امر مغيب مستور فى الحى لا يعلم الا بآثاره كالحس والحركة والعلم والارداة وغيرها ولولا هذا الروح ما صدر من الانسان ما صدر من الآثار المختلفة لانه بمنزلة الصفة من الذات فكما ان الافعال الالهية تبتنى على اجتماع الذات بالصفة كذلك الافعال الانسانية تتفرع من اجتماع الروح السلطانى بالورح الحيوانى وكما ان الصفات الالهية الكمالية كانت فى باطن غيب الذات الاحدية قبل وجود هذه الافعال والآثار كذلك هذا الروح الحيوانى كان بالقوة فى باطن الروح السلطانى قبل تعلقه بهذا البدن فاذا عرفت هذا وقفت على معنى قوله عليه السلام
"اولياء الله لا يموتون بل ينقلون من دار الى دار" لان الانتقال كالانسلاخ حال الفناء التام.
وللروح خمسة احوال. حالة العدم قال الله تعالى
{ هل اتى على الانسان } الآية. وحالة الوجود فى عالم الارواح قال الله تعالى "خلقت الارواح قبل الاجساد بالفى سنة" . وحالة التعلق قال { ونفخت فيه من روحى } . وحالة المفارقة قال { كل نفس ذائقة الموت } .وحالة الاعادة قال { سنعيدها سيرتها الاولى } . اما فائدة حالة العدم فلحصول المعرفة بحدوث نفسه وقدم صانعه. وما فائدة حالة الوجود فى عالم الارواح فلمعرفة الله بالصفات الذاتية من القادرية والحياتية والعالمية والموجودة والسميعة والبصرية والمتكلمية والمريدية. واما فائدة تعلقه بالجسد فالاكتساب كمال المعرفة فى عالم الغيب والشهادة من الجزئيات والكليات. واما فائدة نفخ الروح فى البدن فلحصول المعرفة بالصفات الفعلية. من الرزاقية والتوابية والغفارية والرحمانية والرحيمية والمنعمية والمحسنية والوهابية. واما فائدة حالة المفارقة فلدفع الخبائث التى حصلت للروح بصحبة الاجسام ولشرب الذوق فى مقام العندية. واما فائدة حالة الاعادة فلحصول النعمات الاخروية.
وفى التأويلات النجمية ان الله تعالى خلق العوالم الكثيرة ففى بعض الروايات خلق ثلاثمائة وستين الف عالم ولكنه جعلها محصورة فى عالمين اثنين وهما الخلق والامر كما قال تعالى
{ الا له الخلق والامر } فعبر عن عالم الدنيا وما يدرك بالحواس الخمس الظاهرة وهى السمع والبصر والشم والذوق واللمس بالخلق وعبر عن عالم الآخرة وهو ما يدرك بالحواس الخمس الباطنة وهى العقل والقلب السر والروح والخفى بالامر فعالم الامر هو الاوليات العظائم التى خلقها الله تعالى للبقاء من الروح والعقل والقلم واللوح والعرش والكرسى والجنة والنار ويسمى عالم الامر امرا لانه اوجده بامركن من لا شئ بلا واسطة شئ كقوله { خلقتك من قبل ولم تك شيئا } ولما كان امره قديما فما كوّن بالامر القديم وان كان حادثا كان باقيا وسمى عالم الخلق خلقا لانه اوجده بالوسائط من شئ كقوله { وما خلق الله من شئ } فلما ان الوسائط كانت مخلوقة من شئ مخلوق سماه خلقا خلقه الله للفناء فتبين ان قوله { قل الروح من امر ربى } انما هو لتعريف الروح معناه انه من عالم الامر والبقاء لا من عالم الخلق والفناء وانه ليس للاستبهام كما ظن جماعة ان الله تعالى ابهم علم الروح على الخلق واستأثره لنفسه حتى قالوا ان النبى عليه السلام لم يكن علاما به جل منصب حبيب الله عن ان يكون جاهلا بالروح مع انه عالم بالله وقد من الله عليه بقوله { وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما } احسبوا ان علم الروح مما لم يكن يعلمه الم يخبر ان الله علمه ما لم يكن يعلم فاما سكوته عن جواب سؤال الروح وتوقفه انتظار للوحى حين سألته اليهود فقد كان لغموض يرى فى معنى الجواب ودقة لا تفهمهما اليهود لبلادة طباعهم وقساوة قلوبهم وفساد عقائدهم فانه وما يعقلها الا العالمون وهم ارباب السلوك والسائرون الى الله فانهم لما عبروا عن النفس وصفاتها ووصلوا الى حريم القلب عرفوا النفس بنور القلب ولما عبروا بالسر عن القلب وصفاته ووصلوا الى مقام السر عرفوا بعلم السر القلب واذا عبروا عن السر ووصلوا الى عالم الروح عرفوا بنور الروح السر واذا عبروا عن عالم الروح ووصلوا الى منزل الخفى عرفوا بشواهد الحق الروح واذا عبروا عن منزلة الخفى ووصلوا الى ساحل بحر الحقيقة عرفوا بانوار صفات مشاهدات الجميل الخفى واذا فنوا بسطوات تجلى صفات الجلال عن انانية الوجود ووصلوا الى الجنة بحر الحقيقة كوشفوا بهوية الحق تعالى واذا استغرقوا فى بحر الهوية وابقوا ببقاء الالهية عرفوا الله بالله فاذا كان هذا حال الولى فكيف حال من يقول علمت ما كان وما سيكون.
واعلم ان الروح الانسانى وهو اول شئ تعلقت به القدرة جوهرة نورانية ولطيفة ربانية من عالم الامر وعالم الامر هو الملكوت الذى خلق من لا شئ وعالم الخلق هو الملك الذى خلق من شئ كقوله تعالى
{ أولم ينظروا فى ملكوت السموات والارض } وما خلق الله من شئ والعالم عالمان يعبر عنهما بالدنيا والآخرة والملك والملكوت والشهادة والغيب والصورة والمعنى والخلق والامر والظاهر والباطن والاجسام والارواح ويراد بهما ظاهر الكون وباطنه فثبت بالآية ان الملكوت الذى هو باطن الكون خلق من لا شئ اذ ما عداه من الملك خلق من شئ واما قوله صلى الله عليه وسلم "اول ما خلق الله جوهرة. واول ما خلق الله روحى. واول ما خلق الله العقل. واول ما خلق الله القلم"
وقول بعض الكبراء من الائمة ان اول المخلوقات على الاطلاق ملك كروبى يسمى العقل وهو صاحب القلم وتسميته قلما كتسمية صاحب السيف سيفا كما قيل لخالد بن وليد رضى الله عنه سيف الله وهو اول لقب فى الاسلام وقول الله تعالى { يوم يقوم الروح والملائكة صفا } وقد جاء فى الخبر (ان الروح ملك يقوم صفا) فلا يبعد ان يكون هذا الملك العظيم الذى هو اول المخلوقات هو الروح النبوى فان المخلوق الاول مسمى واحد وله اسماء مختلقة فبحسب كل صفة فيه سمى باسم آخر ولا ريب ان اصل الكون كان النبى عليه السلام لقوله "لولاك لما خلقت الكون" فهو اولى ان يكون اصلا وما سواه اولى ان يكون تبعا له لانه كان بالروح بذر شجرة الموجودات فلما بلغ اشده وبلغ اربعين سنة كان بالجسم والروح ثمرة شجرةالموجودات وهى سدرة المنتهى كما ان الثمرة تخرج من فرع الشجرة كان خروجه الى قاب قوسين او ادنى ولهذا قال "نحن الآخرون السابقون" يعنى الآخرون بالخروج كالثمرة والسابقون بالخلق كالبذر فيلزم من ذلك ان يكون روحه صلى الله عليه وسلم اول شئ تعلقت به القدرة وان يكون هو المسمى بالاسماء المختلفة فباعتبار انه كان درة صدف الموجودات سمى درة وجوهرة كما جاء فى الخبر (اول ما خلق الله جوهرة) وفى رواية (درة فنظر اليها فذابت فخلق منها كذا وكذا) وباعتبار نورانيته سمى نورا وباعتبار وفور عقله سمى عقلا وباعتبار غلبات الصفات الملكية عليه سمى ملكا وباعتبار انه صاحب القلم سمى قلما وكيف يظن به عليه السلام انه لم يكن عارفا بالروح والروح هو نفسه وقد قال "من عرف نفسه فقد عرف ربه" والارواح كلها خلقت من روح النبى صلى الله عليه وسلم وان روحها اصل الارواح ولهذا سمى اميا اى انه ام الارواح فكما كان آدم عليه السلام ابا البشر كان النبى عليه السلام ابا الارواح وامها كما كان آدم ابا وحوا امها وذلك ان الله تعالى لما خلق روح النبى عليه السلام كان الله ولم يكن معه شئ الا روحه وما كان شئ آخر حتى ينسب روحه اليه او يضاف اليه غير الله فلما كان روحه اول باكورة اثمرها الله تعالى بايجاده من شجرة الوجود واول شئ تعلقت به القدرة شرفه بتشريف اضافته الى نفسه تعالى فسماه روحى كماسمى اول بيت من بيوت الله وضع للناس وشرفه بالاضافة الى نفسه فقال له بيتى ثم حين اراد ان يخلق آدم سواه ونفخ فيه من روحه اى من الروح المضافة الى نفسه وهو روح النبى صلى الله عليه وسلم كما قال "فاذا سويته ونفخت فيه من روحى" فكان روح آدم من روح النبى عليه السلام بهذا الدليل وكذلك ارواح اولاده لقوله تعالى { ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين ثم سواه ونفخ فيه من روحه } وقال فى عيسى ابن مريم عليه السلام { ونفخنا فيه من روحنا } فكانت النفخة لجبريل وروحها من روح النبى عليه السلام المضاف الى الحضرة وهذا احد اسرار قوله "آدم ومن دونه تحت لوائى يوم القيامة" ثم قوله تعالى { وما اوتيتم من العلم الا قليلا } راجع الى اليهود الذين سألوا النبى عليه السلام عن الروح يعنى انكم سألتمونى وقد اجبتكم انه من امر ربى ولكنكم ما تفقهون كلامى لانى اخبركم عن عالم الآخرة وعن الغيب وانتم اهل الدنيا والحسن وعلمها قليل بالنسبة الى الآخرة وعلمها فانكم عن علمها غافلون كقوله تعالى { يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون } انتهى ما فى التأويلات باختصار.