خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الحِزْبَيْنِ أَحْصَىٰ لِمَا لَبِثُواْ أَمَداً
١٢
-الكهف

روح البيان في تفسير القرآن

{ ثم بعثناهم } اى ايقظناهم من تلك النومة الثقيلة الشبيهة بالموت وفيه دليل على ان النوم اخو الموت فى اللوازم من البعث وتعطيل الحياة والالتحاق بالجمادات { لنعلم } العلم هنا مجاز عن الاختبار بطريق اطلاق اسم المسبب على السبب وليس من ضرورة الاختبار صدور الفعل المختبر به قطعا بل قد يكون لاظهار عجزه عنه على سنن التكاليف التعجيزية كقوله تعالى { فأت بها من المغرب } وهو المراد هنا فالمعنى بعثناهم لنعاملهم معاملة من يختبرهم { أى الحزيبين } اى الفريقين المختلفين فى مدة لبثهم بالتقدير والتفويض كما سيأتى - روى - عن ابن عباس رضى الله عنهما ان احد الحزبين الفتية والآخر الملوك الذين تداولوا المدينة ملكا بعد ملك وذلك لان اللام للعهد ولا عهد لغيرهم واى مبتدأ خبره قوله { احصى } فعل ماض اى ضبط { لما لبثوا } اى للبثهم فما مصدرية { امدا } يقال ما امدك اى منتهى عمرك اى غايته فيظهر لهم عجزهم ويفوضوا ذلك الى العليم الخبير ويتعرفوا حالهم وما صنع الله بهم من حفظ ابدانهم واديانهم فيزدادوا يقينا بكمال قدرته وعلمه ويستبصروا به امر البعث ويكون ذلك لطفا لمؤمنى زمانهم وآية بينة لكفارهم. والامد بمعنى المدى كالغاية فى قولهم ابتداء الغاية على طريق التجوز بغاية الشئ عنه فالمراد بالمدى المدة كما ان المراد بالغاية المسافة وهو مفعول لا حصى والجار والمجرور حال منه قدمت عليه لكونه نكرة فاحصى فعل ماض هنا وهو الصحيح لا افعل تفضيل لان المقصود بالاختيار اظهار عجز الكل عن الاحصاء رأسا لا اظهار افضل الحزبين وتمييزه عن الادنى مع تحقق اصل الاحصاء فيهما.
قال فى التأويلات النجمية
{ ام حسبت } اشار الى النبى صلى الله عليه وسلم اى انك ان حسبت { ان } احوال { اصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا } اى من آيات احساننا مع العبد { عجبا } فان فى امتك من هو اعجب حالا منهم وذلك ان فيهم اصحاب الخلوات الذين كهفهم الذى يأوون اليه بيت الخلوة ورقيمهم قلوبهم المرقومة برقم المحبة فهم محبى ومحبوبى والواح قلوبهم مرقومة بالعلوم اللدنية: قال الحافظ

خاطرت كى رقم فيض بذيرد هيهات مك رازتقش برا كنده ورق ساده كنى

وان كان اصحاب الكهف آووا الى الكهف خوفا من لقاء دقيانوس وفرارا فانهم آووا الى كهف الخلوة شوقا الى لقائى وفرارا الى: قال الحافظ

شكر كمال حلاوت بس از رياضت يافت نخست درشكن تنك ازان مكان كيرد

وان كان مرادهم من قولهم { ربنا آتنا } الآية النجاة من شر دقيانوس والخروج من الغار بالسلام فمراد هؤلاء القوم النجاة من شر نفوسهم والخروج من ظلمات غار الوجود للوصول الى انوار جمالى وجلالى: قال الحافظ

مددى كر بجراغى نكند آتش طور جاره تيره شب وادى ايمن جه كنم

وبقوله { فضربنا } الآية يشير الى سد آذان ظاهر اصحاب الخلوة وآذان باطنهم لئلا يقرع مسامعهم كلام الخلق فتنقش الواح قلوبهم به وكذلك ينعزل جميع حواسهم عن نقش قلوبهم ثم انهم يمحون النقوش السابقة عن القلوب بملازمة استعمال كلمة الطلاسة وهى كلمة لا اله الا الله حتى تصفو قلوبهم بنفى لا اله عما سوى الله وباثبات الا الله تتنور قلوبهم بنور الله وتنقش بنور العلوم اللدنية الى ان يتجلى تبارك وتعالى لقلوبهم بذاته وجميع صفاته ليفنيهم الله عنهم ويبقيهم به وهو سر قوله { ثم بعثناهم } اى احييناهم بنا { لنعلم أى الحزبين } اى حزب اصحاب الكهف وحزب اصحاب الخلوة احصى اى اخطأ واصوب لما لبثوا فى كهفهم وبيت خلوتهم امدا غاية لبثهم.