خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً
٢٨
-الكهف

روح البيان في تفسير القرآن

{ واصبر نفسك } احبسها وثبتها مصاحبة { مع الذين يدعون ربهم بالغدوة والعشى } فى اول النهار وآخره والمراد الدوام اى مداومين على الدعاء فى جميع الاوقات او بالغداة لطلب التوفيق والتيسير والعشى لطلب عفو التقصير.
نزلت حين طلب رؤساء الكفار طرد فقراء المسلمين من مجالسه عليه السلام كصهيب وعمار وخباب وغيرهم وقالوا اطرد هؤلاء الذين ريحهم ريح الصنان يعنى [اين بشمينه بوشان بى قدررا كه بوى خرقها ايشان مارا متأذى دارد از مجلس خود دورساز] حتى نجالسك فان اسلمنا اسلم الناس وما يمنعنا من اتباعك الا هؤلاء لانهم قوم ارذلون كما قال قوم نوح
{ أنؤمن لك واتبعك الارذلون } فلم يأذن الله فى طرد الفقراء لاجل ان يؤمن جمع من الكفار.
فان قيل يرجح الاهم على المهم وطرد الفقراء يسقط حرمتهم وهو ضرر قليل وعدم طردهم يوجب بقاء الكفار على كفرهم وهو ضرر عظيم.
قلنا من ترك الايمان حذرا من مجالسة الفقراء لم يكن ايمانه ايمانا بل يكون نفاقا قبيحا يجب ان لا يلتفت اليه كذا فى تفسير الامام.
يقول الفقير شان النبوة عظيم فلو طردهم لاجل امر غير مقطوع كان ذنبا عظيما بالنسبة الى منصبه الجليل مع ان الطرد المذكور من ديدن الملوك والاكابر من اهل الظواهر وعظماء الدين يتحاشون عن مثل ذلك الوضع نظرا الى البواطن والسرائر { يريدون } بدعائهم ذلك { وجهه } تعالى حال من الضمير المستكن فى يدعون اى مريدين رضاه لا شئ آخر من اعراض الدنيا فالوجه مجاز عن الرضى والمناسبة بينهما ان الرضى معلوم فى الوجه وكذا السخط كما فى الحواشى الحسينية على التلويح { ولا تعد عيناك عنهم } اى لا يجاوزهم نظرك الى غيرهم.
قال الكاشفى [بايدكه نكذرد جشمهاى توازايشان] من عدا الامر وعنه جاوزه كما فى القاموس فعيناك فاعل لا تعد وهذا نهى للعينين والمراد صاحبهما يعنى نهيه عليه السلام عن الازدراء بفقراء المسلمين لرثائة زيهم طموحا الى زى الاغنياء.
وقال ذو النونرحمه الله خاطب الله نبيه عليه السلام وعاتبه وقال له اصبر على من صبر علينا بنفسه وقلبه وروحه وهم الذين لا يفارقون محل الاختصاص من الحضرة بكرة وعشيا فمن لم يفارق حضرتنا فحق ان تصبر عليه فلا تفارقه وحق لمن لا تعد وعينهم عنى طرفة عين ان لا ترفع نظرك عنهم وهذا جزاؤهم فى العاجل { تريد } يا محمد { زينة الحيوة الدنيا } اى تطلب مجالسة الاغنياء والاشراف واهل الدنيا وهى حال من الكاف وفى اضافة الزنية الى الحياة الدنيا تحقير لشأنها وتنفير عنها.
قال الكاشفى [ببايد دانست كه آن حضرت را هركزبدنيا وزينت آن ميل نبوده بلكه معنى آيت اينست كه مكن عمل كسى مائل بزينت دنياجه مائل بدنيا ازفقر معرض وبراغنيا مقبل باشد].
وفى زبدة التفاسير تريد حال صرف للاستقبال لا انه حكم على النبى عليه السلام بارادته زينة الدنيا وهو قد حذر عن الدنيا وزينتها ونهى عن صحبة الاغنياء كما قال (لا تجالسوا الموتى) يعنى الاغنياء { ولا تطع } فى تنحية الفقراء عن مجلسك { من اغفلنا قلبه عن ذكرنا } الغفلة معنى يمنع الانسان من الوقوف على حقيقة الامور اى جعلت قلبه فى فطرته الاولى غافلا عن الذكر ومحتوما عن التوحيد كرؤساء قريش { واتبع هواه } الهوى بالفارسية { آرزوى نفس] مصدر هويه اذا احبه واشتهاه ثم سمى به المهوى المشتهى محمودا كان او مذموما ثم غلب على غير المحمود وقيل فلان اتبع هواه اذا اريد ذمه ومنه فلان من اهل الهوى اذا زاغ عن السنة متعمدا وحاصله ميلان النفس الى ما تشتهيه وتستلذه من غير داعية الشرع قالوا يجوز نسبة فعل العبد الى نفسه من جهة كونه مقرونا بقدرته ومنه واتبع هواه والى الله من حيث كونه موجدا له ومنه اغفلنا { وكان امره فرطا }.
قال فى القاموس الفرط بضمتين الظلم والاعتداء والامر المجاوز فيه عن الحد انتهى اى متقدما للحق والصواب نابذا له وراء ظهره من قولهم فرس فرط اى متقدم للخيل.
وفى التأويلات { وكان امره } فى متابعة الهوى هلاكا وخسرانا وفى الآية تنبيه على ان الباعث لهم الى هذا الاستعداد اغفال قلوبهم عن ذكر الله واشغالها بالباطل الفانى عن الحق الباقى وعلى ان العبرة والشرف بحلية النفس وصفاء القلب وطهارة السرائر لا بزينة الجسد وحسن الصورة والظواهر: قال الحافظ

قلندران حقيقت به نيم جو نخرند قباى اطلس آنكس كه ازهنر عاريست

وقا ل الجامى قدس سره

جه غم منقصت صورت اهل معنى را جوجان زروم بود كوتن از حبش مى باش

وفى الحديث "ان الله لا ينظر الى صوركم واموالكم بل الى قلوبكم واعمالكم" يعنى اذا كانت لكم قلوب واعمال صالحة تكونون مقبولين مطلقا سواء كانت لكم صور حسنة واموال فاخرة ام لا والا فلا مطلقا وكذا الحكم فى الظاهر والباطن فافهم - روى - ان الله تعالى لما اتخذ ابراهيم خليلا قالت الملائكة يا رب انه كيف يصلح للخلة وله شواغل من النفس والولد والمال والمرأة فقال تعالى انا لا انظر الى صورة عبدى وماله بل الى قلبه واعماله وليس لخليلى محبة لغيرى فان شئتم جربوه فجاءه جبريل وكان لابراهيم عليه السلام اثنا عشر كلبا للصيد ولحفظ الغنم وطوق كل كلب من الذهب ايذانا بخساسة الدنيا وحقارتها فسلم عليه جبريل فقال لمن هذه فقال لله ولكن فى يديى فقال تبيع واحدا منها قال اذكر الله وخذ ثلثها فقال سبوح قدوس رب الملائكة والورح فاعطى الثلث ثم قال اذكره ثانيا وخذ ثلثها واذكر ثالثا وخذ كلها برعاتها وكلابها ثم اذكره رابعا وانا اقر لك بالرق فقال الله تعالى كيف رأيت خليلى يا جبريل قال نعم العبد خليلك يا رب فقال ابراهيم لرعاةالغنم سوقوا الاغنام خلف صاحبى هذا فقال جبريل لا حاجة لى الى ذلك واظهر نفسه فقال انا خليل الله لا استرد هبتى فاوحى الله الى ابراهيم ان يبيعها ويشترى بثمنها الضياع والعقار ويجعلها وقفا فاوقاف الخليل وما يؤكل على مرقده الشريف من ثمنها.
واعلم ان قدر الاذكار لا يعرفه الا الكبار ألا يرى ان الخليل كيف فدى نفسه بعد اعطاء الكل بشرف ذكر الله وتعظيمه فليسارع العشاق الى ذكر القادر الخلاق فان صيقل القلوب ذكر علام الغيوب: قال الشيخ المغربى قدس سره

اكرجه آينه دارى ازبراى رخش جه سودا كرجه كه دارى هميشه آينه تار
بيا بصيقل توحيد زآينه بزدا غبار شرك كه ناباك كردد اززنكار

قال اهل التحقيق ان كلمة التوحيد لا اله الا الله اذا قالها الكافر تنفى عنه ظلمة الكفر وتثبت فى قلبه نور التوحيد واذا قالها المؤمن تنفى عنه ظلمة النفس وتثبت فى قلبه نور الوحدانية وان قالها فى كل يوم الف مرة فبكل مرة تنفى عنه شيئا لم تنفعه فى المرة الاولى فان مقام العلم بالله لا ينتهى الى الابد وفى الحديث "جلوسك ساعة عند حلقة يذكرون الله خير من عبادة الف سنة" كما فى مجالس حضرة الهدايى قدس سره والذكر يوصل الى حضور المذكور وشهوده فى مقام النور قال جلا الدين الرومى قدس سره

آدمى ديدست وباقى بوستست ديد آن ديديكه ديدى دوستست

اللهم اجعلني من اهل النظر الى نور جمالك ومن المتشرفين بشرف وصالك.