{ واذ قال موسى } - روى - ان موسى عليه السلام لما ظهر على مصر مع بنى اسرائيل بعد هلاك القبط امره الله ان يذكر قومه انعام الله عليهم فخطب خطبة بليغة رقت بها القلوب وذرفت العيون فقال واحد من علماء بنى اسرائيل يا موسى من اعلم قال انا فعتب الله عليه اذ لم يرد العلم اليه تعالى فاوحى اليه بل اعلم منك عبد لى عند مجمع البحرين وهو الخضر وكان فى ايام افريدون الملك العادل العاقل قبل موسى وكان على مقدمة ذى القرنين الاكبر وبقى الى ايام موسى وهو قد بعث فى ايام كشتاسف بن لهراسب كما قاله ابن الاثير فى تاريخه فقال يا رب اين اطلبه وكيف يتيسر لى الظفر به والاجتماع معه قال اطلبه على ساحل البحر عند الصخرة وخذ حوتا مملوحا فى مكتل يكون زادا لك فحيث فقدته اى غاب عنك فهو هناك فاخذ حوتا فجعله فى مكتل فقال لفتاه اذا فقدت الحوت فاخبرنى.
والمعنى اذكر وقت قول موسى بن عمران لما فيه من العبرة وزعم اهل التوراة ان موسى هذا هو موسى بن ميشا بن يوسف النبى عليه السلام وانه كان نبيا قبل موسى بن عمران لاستبعادهم ان يكون كليم الله المختص بالمعجزات الباهرة مبعوثا للتعلم والاستفادة ممن هو دونه فلهذا لا يبعد عن العامل الكامل ان يجهل بعض الاشياء فالفاضل قد يكون مفضولا من وجه بل المراد منه صاحب التوراة واطلاق هذا الاسم يدل عليه لانه لو اراد غيره لقيده كما يقال قال ابو حنيفة الدينورى تمييزا عن ابى حنيفة الامام { لفتاه } وهو يوشع بن نون بن افراييم بن يوسف وهو ابن اخت موسى وكان من اكبر اصحابه ولم يزل معه الى ان مات وخلفه فى شريعته وكان من اعظم بنى اسرائيل بعد موسى سمى فتاه اذ كان يخدمه ويتبعه ويتعلم منه ويسمى الخادم والتلميذ فتى وان كان شيخا واليه يشير القول المشهور (تعلم يا فتى فالجهل عار) وهو عبد الحكمى كما قال شعبة من كتبت عنه اربعة احاديث فانا عبده الى ان اموت وقيل لعبده وانما قال لفتاه تعليما للادب قال عليه السلام "ليقل احدكم فتاى وفتاتى ولا يقل عبدى وامتى" قال ابو يوسف من قال انا فتى فلان كان اقرارا منه بالرق.
يقول الفقير المشهور وهو الوجه الاول وتأبى جلالة هذا السفر الا ان يكون الصاحب من اولى الخطر ونظيره ان نبينا صلى الله عليه وسلم لما اراد الهجرة لم يرض برفقته فى سفره الا الصديق رضى الله عنه لكونه اعز اصحابه وخليفته بعده كما ان يوضع صار خليفة موسى بعده { لا ابرح } من برح الناقص كزال يزال اى لا ازال اسير فحذف الخبر اعتمادا على قرينة الحال. كان ذلك عند التوجه الى السفر ويدل عليه ايضا ذكر السفر فى قوله { لقد لقينا من سفرنا } فقول سعدى المفتى لا دلالة فى نظم القرآن على هذا ولعله علم من الاثر اومن اخبار المؤرخين ذهول عما بعد الآية { حتى ابلغ مجمع البحرين } هو ملتقى بحر فارس والروم مما يلى المشرق وهو المكان الذى وعد الله موسى بلقاء الخضر فيه.
قال سعدى المفتى بحرا فارس والروم انما يلتقيان فى المحيط على ما سيجئ فى سورة الرحمن اعنى المحيط الغربى فان الالتقاء هناك كما لا يخفى على من يعرف وضع البحار فالمراد بملتقاهما هنا موضع يقرب التقاؤهما فيه مما يلى المشرق ويعطى لما يقرب من الشئ حكم ذلك الشئ ويعبر به عنه انتهى.
وفيه اشارة الى ان موسى والخضر عليهما السلام بحران لكثرة علمهما احدهما وهو موسى بحر الظاهر والباطن والغالب عليه الظاهر اى الشريعة والآخر وهو الخصر بحرهما والغالب عليه الباطن اى الحقيقة اذ تتفاوت الانبياء عليهم السلام بحسب غلبة الجمال والجلال على نشأتهم وسيأتى التحقيق ان شاء الله تعالى فملتقاهما اذا المكان الذى يتفق اجتماعهما فيه لا موضع معين { او امضى } من مضى فى الامر بمعنى نفذ وامضاه انفذه { حقبا } هو بضم القاف وسكونه ثمانون سنة. والمعنى اسير زمانا طويلا اتيقن معه فوات المطلب يعنى حتى يقع اما بلوغ المجمع او مضى الحقب.
وفى بعض التفاسير اسير دهرا طويلا حتى اجد هذا العالم.
قال الكاشفى [موسى فرمود كه مدام ميروم تابرسم بمنزل او ياميروم زمان درازكه هشتاد سال باشد يعنى بهيج وجهى روى ازسفر نمى تابم تا اورا بيابم
دست از طلب ندارم تاكام من بر آيد
وفى المثنوى
كر كران وكر شتابنده بود آنكه جو ينده است يا بنده بود
درطلب زن دائما توهردو دست كه طلب در راه نيكو رهبرست
قال الامام فى تفسيره هذا اخبار من موسى بانه وطن نفسه على تحمل التعب الشديد والعناء العظيم فى السفر لاجل طلب العلم وذلك تنبيه على ان المتعلم لو سار من المشرق الى المغرب لطلب مسألة واحدة لحق له ذلك انتهى.
قال فى روضة الخطيب رجل جاء من المدينة الى مصر لحديث واحد ولذا لم يعد احد كاملا الا بعد رحلته ولا وصل مقصده الا بعد هجرته.
وقالوا كل من لم يكن له استاذ يصله بسلسلة الاتباع ويكشف عن قلبه القناع فهو فى هذا الشأن لقيط لا اب له دعى لا نسب له انتهى.
ومن كلام ابى يزيد البسطامى قدس سره من لم يكن له شيخ فشيخه الشيطان: وفى المثنوى
بير را بكزين كه بى بير اين سفر هست بس بر آفت وخوف وخطر
جون كرفتى ببرهين تسليم شو همجو موسى زير حكم خضر رو
قال فى التأويلات النجمية فى الآية اشارات.
منها ان شرط المسافر ان يطلب الرفيق ثم يأخذ الطريق. ومنها ان من شرط الرفيقين ان يكون احدهما اميرا والثانى مأمورا له ومتابعا. ومنها ان يعلم الرفيق عزيمته ومقصده ويخبر عن مدة مكثه فى سفره ليكون الرفيق واقفا على احواله فان كان موافقا له يرافقه فى ذلك. ومنها ان من شرط الطالب الصادق ان يكون نيته فى طلب شيخ يقتدى به ان لا يبرح حتى يبلغ مقصوده ويظفر به فان طلب الشيخ طلب الحق تعالى على الحقيقة انتهى كلامه قدس سره.