خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَآ إِلَى ٱلصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ ٱلْحُوتَ وَمَآ أَنْسَانِيهُ إِلاَّ ٱلشَّيْطَٰنُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَٱتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي ٱلْبَحْرِ عَجَباً
٦٣
-الكهف

روح البيان في تفسير القرآن

{ قال } فتاه { أرأيت }[خبردارى] قال ابن ملك هو يجيئ بمعنى اخبرنى وهنا بمعنى التعجب ومفعوله محذوف وذلك المحذوف عامل فى قوله { اذ اوينا الى الصخرة } يعنى عجبت ما اصابنى حين وصلنا الى الصخرة ونزلنا عندها { فانى نسيت الحوت } ان اذكر لك امره وما شاهدت منه من الامور العجيبة ثم اعتذر بانساء الشيطان اياه لانه لو ذكر ذلك لموسى ما جاوز ذلك المكان وما ناله النصب فقال { وما انسانيه الا الشيطان } بوسوسته الشاغلة عن ذلك { ان اذكره } بدل اشتمال من الضمير اى وما انسانى ان اذكره لك { واتخذ سبيله فى البحر } سبيلا { عجبا } وهو كون مسلكه كالطاق والسرب فعجبا ثانى مفعولى اتخذ والظرف حال من اولهما او ثانيهما وهو بيان لطرف من امر الحوت منبئ عن طرف آخر وما بينهما اعتراض قدم عليه للاعتناء بالاعتذار كأنه قيل حيى واضطرب ووقع فى البحر واتخذ سبيله فيه سبيلا عجبا يعنى ان قوله وما انسانيه اعتراض بين المعطوف والمعطوف عليه سببه ما يجرى مجرى العذر والعلة لوقوع ذلك النسيان.
قال الامام فان قيل انقلاب السمكة المالحة حية حالة عجيبة جعل الله تعالى حصول هذه الحالة العجيبة دليلا على الوصول الى المطلوب فكيف يعقل حصول النسيان فى هذا المعنى اجاب العلماء عنه بان يوشع كان قد شاهد المعجزات الباهرة من موسى كثيرة فلم يبق لهذه المعجزة عنده وقع عظيم فجاز حصول النسيان وعندى فيه جواب آخر وهو ان موسى لم استعظم علم نفسه ازال الله تعالى عن قلب صاحبه هذا العلم الضرورى تنبيها لموسى على ان العلم لا يحصل الا بتعليم الله تعالى وحفظه على القلب الخاطر انتهى.
وقال بعضهم لعله نسى ذلك لاستغراقه فى الاستبصار وانجذاب شراشره الى جناب القدس بما عراه من مشاهدة الآيات الباهرة وهى حياة السمكة المملوحة المأكول بعضها وقيام الماء وانتصابه مثل الطاق ونفوذها فى مثل السرب منه وانما نسبه الى الشيطان هضما لنفسه اى لمقتضى نفسه من الاغترار والافتخار بامثاله.
وفى الآيات اشارات. منها ان الطالب الصادق اذا قصد خدمة شيخ كامل يسلكه طريق الحق يلزمه مرافقة رفيق التوفيق ومعه حوت قلبه الميت بالشهوات النفسانية المملح بملح حب الدنيا وزينتها ومجمع البحرين هو الولاية بين الطالب وبين الشيخ ولم يظفر المريد بصحبة الشيخ ما لم يصل الى مجمع ولايته فافهم جدا وعند مجمع الولاية عين الحياة الحقيقية فباول قطرة من تلك العين تقع على حوت قلب المريد يحيى ويتخذ سبيله فى البحر عن الولاية سربا.
ومنها ان الله يحول بين المرء وقلبه فينسى المريد قلبه حين فقده وينسى القلب المريد اذا وجد الشيخ: وفى المثنوى

اى خنك آن مرده كزخودرسته شد دروجود زنده بيوشته شد
واى آن زندهكه بامرده نشست مرده كشت وزنده كى ازوى برست

ومنها ان المريد لو تطرق اليه الملالة فى اثناء السلوك واصابت قلبه الكلالة وسولت له نفسه التجاوز عن خدمة الشيخ وترك صحبته حتى يظن ان لو سافر عن خدمته واشتغل بطاعة ربه وجاهد نفسه فى طلب الحق تعالى لعله يصل مقصده ويحصل مقصوده بلا واسطة الشيخ والاقتداء به هيهات فانه ظن فاسد ومتاع كاسد وانه يضيع عمره ويتعب نفسه ويضل عن سبيل الرشاد ويبعد عن طريق السداد الا ان ادركته العناية الازلية التى هىالكفاية الابدية وردت اليه صدق الارادة: وفى المثنوى

آن رهى كه بارها تورفته بى فلاوز اندرآن آشفته
بس رهى راكه نرفتستى توهيج هين مروتنها زرهب سرميج
هين مبرالاكه بايرهاى شيخ تابينى عون ولشكرهاى شيخ

ومنها ان صحبة الشيخ المرشد غداء للمريد لاشتمالها على ما يجرى مجرى الغداء للروح من الاقوال الطيبة والافعال الحسنة ومتى جاوز صحبته اتعب نفسه بلا فائدة الوصول ونيل المقصود ولا يحمل على هذا الا شيطان الخذلان فيلزم الرجوع والعود الى ملازمة الخدمة فى مرافقة رفيق التوفيق كما رجع موسى ويوشع عليهما السلام قال الله تعالى { يا ايها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين } اى فى صحبتهم ولا تكونوا مع الكاذبين: وفى المثنوى

هرطرف غولى همى خواند ترا كابى بردرراه خواهى هين بيا
رهنمايم هم رهت باشم رفيق من قولاوزم درين راه دقيق
نى قلاوزست ونى ره دانداو يوسفاكم روسوى آن كرك خو

نسال الله العصمة والتوفيق.