خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

أَمَّا ٱلسَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي ٱلْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَآءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً
٧٩
-الكهف

روح البيان في تفسير القرآن

{ اما السفينة } التى خرقتها { فكانت لمساكين } لضعفاء لا يقدرون على مدافعة الظلمة وكانوا عشرة اخوة خمسة منهم زمنى { يعملون فى البحر } بها مؤاجرة طلبا للكسب فاسناد العلم الى الكل بطريق التغليب او لان عمل الوكلاء بمنزلة عمل الموكلين.
اعلم ان الفقير فى الشريعة من له مال لا يبلغ نصابا قدر مائتى درهم او قيمتها فاضلا عن حاجته الاصلية سواء كان ناميا او لا والمسكين من لا شئ له من المال هذا هو الصحيح عند الحنفية والشافعية يعكسون.
قال القاضى فى الآية دليل ان المسكين يطلق على من يملك شيئا لم يكفه وحمل اللام على التمليك.
وقال مولانا سعدى انما يكون دليلا اذا ثبت ان السفينة كانت ملكا لهم لكن للخصم ان يقول اللام للدلالة على اختصاصهم بهم لكونها فى يدهم عارية او كونهم اجراء كما ورد فى الاثر انتهى.
وقد نص على هذين الوجهين صاحب الكفاية فى شرح الهداية وسلمنا ان السفينةكانت ملكا لهم فانما سماهم الله مساكين دون فقراء لعجزهم عن دفع الملك الظالم ولزمانتهم والمسكين يقع على من اذله شئ وهو غير المسكين المشهور فى مصرف الصدقة هذا هو تحقيق المقام { فاردت } بحكم الله وارادته { ان اعيبها } اى اجعلها ذات عيب { وكان } [وحال آنكه هست]{ وراءهم } امامهم كقوله ومن ورائهم برزخ فوراء من الاضداد مثل قوله فما فوقها اى دونها اريد به ههنا الامام دون الخلف على ما يأتى من القصص { ملك } كافر اسمه جلندى بن كركرد كان بجزيرة الاندلس ببلدة قرطبة واول فساد ظهر فى البحر كان ظلمه على ما ذكره ابو الليث واول فساد ظهر فى البر قتل قابيل هابيل على ما ذكره ايضا عند تفسير قوله تعالى { ظهر الفساد } الآية { يأخذ كل سفينة } صحيحة جيدة وهو من قبيل ايجاز الحذف { غصبا } من اصحابها وانتصابه على انه مصدر مبين لنوع الاخذ او على الحالية بمعنى غاصبا والغصب اخذ الشئ ظلما وقهرا ويسمى المغصوب غصبا وخوف الغصب سبب لارادته عيبها لكنه اخر عنها لقصد العناية بذكرها مقدما وجه العناية ان موسى لما انكر خرقها وقال اخرقتها لتغرق اهلها اقتضى المقام الاهتمام لدفع مبنى انكاره بان الخرق لقصد التعييب لا لقصد الاغراق - روى - ان الخضر اعتذر الى القوم وذكر لهم شأن الملك الغاصب ولم يكونوا يعلمون بخبره.
وفى قصص الانبياء فبينما هم كذلك استقلتهم سفينة فيها جنود الملك وقالوا ان الملك يريد ان يأخذ سفينتكم ان لم يكن فيها عيب ثم صعدوا اليها وكشفوها فوجدوا موضع اللوح مفتوحا فانصرفوا فلما بعدوا عنهم اخذ الخضر ذلك اللوح ورده الى مكانه: وفى المثنوى

كر خضر در بحر كشتى را شكست صد درشتى درشكست خضر هست

فظاهر فعله تخريب وباطنه تعمير: وفى المثنوى

آن يكى آمد زمين را مى شكافت ابلهى فرياد كرد وبرنتافت
كين زمين را ازجه ويران ميكنى مى شكافىّ وبريشان ميكنى
كى شود كلزار وكندم زار اين تانكردد زشت وويران اين زمين
كى شود بستان وكشت وبرك بر تار نكردد نظم او زير وزبر
تا نشكافى بنشتر ريش جغز كى شود نيكو وكى كرديد نغز
تا نشوزد خلطهايت از دوا كى رود شورش كجا آيد شفا
باره باره كرد درزى جامه را كس زند آن درزى علامه را
كه جرا اين اطلس بكزيده را بر دريدى جه كنم بدر يده را
هر بناى كهنه كآبادان كنند نى كه اول كهنه را ويران كنند
همجنين نجار وحداد وقصاب هستشان بيش از عمارتها خراب
آن هليله وان بليله كوفتن زان تلف كردند معمورئ تن
تا نكوبى كندم اندر آسيا كى شود آراسته زان خوان ما

وفى افناء الوجود المجازى تحصيل للوجود الحقيقى فما دامت البشرية واوصافها باقية على حالها لا يظهر آثار الاخلاق الالهية البتة.
وفى التأويلات النجمية فى الآية اشاراتن. منها ان خرق السفينة واعابتها لئلا تؤخذغصبا ليس من احكام الشرع ظاهرا ولكنه لما كان فيه مصلحة لصاحبها فى باطن الشرع جوز ذلك ليعلم انه يجوز للمجتهد ان يحكم فيما يرى ان صلاحه اكثر من فساده فى باطن الشرع بما لا يجوز فى ظاهر الشرع اذا كان موافقا للحقيقة كما قال { وكان وراءهم } الآية.
ومنها ان يعلم عناية الله فى حق عباده المساكين الذين يعملون فى البحر غافلين عما رواءهم من الآفات كيف ادركتهم العناية بنبى من انبيائه وكيف دفع عنه البلاء ودرأ عنهم الآفة.
ومنها ان يعلم ان الله تعالى فى بعض الاوقات يرجح مصلحة بعض السالكين على مصلحة نبى من انبيائه فى الظاهر وان كان لا يخلو فى باطن الامر من مصلحة النبى فى اهمال جانبه فى الظاهر كما ان الله تعالى رجح رعاية مصلحة المساكين فى خرق السفينة على رعاية مصلحة موسى لانه كان من اسباب مفارقته عن صحبة الخضر ومصلحته ظاهرا كانت فى ملازمة صحبة الخضر وقد كان فراقه عن صحبته متضمنا لمصالح النبوة والرسالة ودعوة بنى اسرائيل وتربيتهم فى حق موسى باطنا انتهى.
يقول الفقير ومنها ان اهل السفينة لما لم يأخذوا النول من موسى والخضر عوضهم الله تعالى خيرا من ذلك حيث نجى سفينتهم من اليد العادية وفيه فضيلة الفضل.