خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَأَمَّا ٱلْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي ٱلْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَآ أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِـع عَّلَيْهِ صَبْراً
٨٢
-الكهف

روح البيان في تفسير القرآن

{ واما الجدار } المعهود { فكان لغلامين يتيمين } اسمهما اصرم وصريم ابنا كاشح وكان سياحا تقيا واسم امهما دنيا فيما ذكره النقاش { فى المدينة } فى القرية المذكورة فيما سبق وهى انطاكية { وكان تحته } اى تحت الجدار { كنز لهما }[كنجى براى ايشان] هو فى الاصل مال دفنه انسان فى ارض وكنزه يكنزه اى دفنه اى مال مدفون لهما من ذهب وفضة روى ذلك مرفوعا وهو الظاهر لاطلاق الذم على كنزهما فى قوله تعالى { والذين يكنزون الذهب والفضة } لا يؤدى زكاتهما وما تعلق بهما من الحقوق.
وقيل كان لوحا من ذهب او من رخام مكتوب فيه "بسم الله الرحمن الرحيم عجبت لمن يؤمن بالقدر" اى ان الامور كائنة بقضاء الله تعالى وتقديره "كيف يحزن" اى على فوات نعمة واتيان شدة "وعجبت لمن يؤمن بالرزق" اى ان الرزق مقسوم والله تعالى رازق كل احد "كيف ينصب" اى يتعب فى تحصيله "وعجبت لمن يؤمن بالموت" اى انه سيموت وهو حق "كيف يفرح" اى بحياته القليلة القصيرة "وعجبت لمن يؤمن بالحساب" اى ان الله تعالى يحاسب على كل قليل وكثير "كيف يغفل" اى عن ذلك ويشغل بتكثير متاع الدنيا "وعجبت لمن يعرف الدنيا وتقلبها باهلها كيف يطمئن اليها لا اله الا الله محمد رسول الله وعجبت لمن يؤمن بالنار كيف يضحك" وفىالجانب الآخر مكتوب "انا الله لا اله الا انا وحدى لا شريك لى خلقت الخير والشر فطوبى لمن خلقته للخير واجريته على يديه والويل لمن خلقته للشر واجريته على يديه" وهو قول الجمهور كما فى بحر العلوم { وكان ابوهما صالحا } كان الناس يضعون الودائع عند ذلك الصالح فيردها اليهم سالمة فحفظنا بصلاح ابيهما فى مالهما وانفسهما.
قال جعفر بن محمد كان بينهما وبين الاب الصالح سبعة آباء فيكون الذى دفن ذلك الكنز جدهما السابع { فاراد ربك } بالامر بتسوية الجدار { ان يبلغا اشدهما } اى حلمهما وكمال رأيهما.
قال فى بحر العلوم الاشد فى معنى القوة جمع شدة كانعم فى نعمة على تقدير حذف الهاء وقيل لا واحد له وبلوغ الاشد بالادراك وقيل ان يونس منه الرشد مع ان يكون بالغا وآخره ثلاث وثلاثون سنة او ثمانى عشرة وانما قال الخضر فى تأويل خرق السفينة
{ فاردت ان اعيبها } بالاسناد الى نفسه لظاهر القبح وفى تأويل قتل الغلام { خشينا } بلفظ الخشية والاسناد الى نا لان الكفر مما يجب ان يخشاه كل احد وقال فى تأويل الجدار { فاراد ربك ان يبلغا اشدهما } بالاسناد الى الله تعالى وحده لان بلوغ الاشد وتكامل السن ليس الا بمحض ارادة الله تعالى من غير مدخل واثر لارادة العبد فالاول فى نفسه شر قبيح والثالث خير محض والثانى ممتزج.
وقال بعضهم لما قال الخضر { فاردت } اللهم من انت حتى يكون لك ارادة فجمع فى الثانية حيث قال { فاردنا } فالهم من انت وموسى حتى يكون لكما اراد فخض فى الثالثة الارادة بالله اى دون اضافة الارادة الى نفسه وادعاء الشركة فيهما ايضا { ويستخرجا كنزهما } من تحت الجدار ولولا انى اقمته لا نقض وخرج الكنز من تحته قبل اقتدارهما على حفظ المال وتنميته وضاع بالكلية. فان قيل انعرف واحد من اليتيمين والقيم عليهما الكنز امتنع ان يترك سقوط الجدار وان لم يعرفوا فكيف يسهل عليهم استخراجه.
قلنا لعلهما لم يعلماه وعلم القيم الا انه كان غائبا كذا فى تفسير الامام.
يقول الفقير قوله وان لم يعرفوا الخ غير مسلم لان الله تعالى قادر على ان يعرفهما مكان ذلك الكنز بطريق من الطرق ويسهل عليهما استخراجه على ان واجد الكنز فى كل زمان من غير سبق معرفة بالمكان ليس بنادر واللام فى كنز لهما لاختصاص الوجدان بهما ومن البعيد ان يعيش الجد السابع الى ان يولد للبطن السادس من اولاده ويدفن له مالا او يعين له { رحمة من ربك } لهما مصدر فى موقع الحال اى مرحومين من قبله تعالى او علة لاراد فان ارادة الخير رحمة او مصدر لمحذوف اى رحمهما الله بذلك رحمة { وما فعلته } اى ما فعلت ما رأيته يا موسى من خرق السفينة وقتل الغلام واقامة الجدار { عن امرى } عن رأيى واجتهادى وانما فعلته بامر الله ووحيه وهذا ايضاح لما اشكل على موسى وتمهيد عنه شفقة له { ذلك } المذكور منا لعواقب { تأويل ما لم تسطع عليه صبرا } اى لم تستطع فحذف التاء للتخفيف وهو انجاز للتنبئة الموعودة - روى - ان موسى لما اراد ان يفارقه قال له الخضر لوصبرت لاتيت على الف عجب كل عجب اعجب مما رأيت فبكى موسى على فراقه وقال له اوصنى يا نبى الله. قال لا تطلب العلم لتحدث به الناس واطلبه لتعمل به وذلك لان من لم يعمل بعلمه فلا فائدة فى تحديثه بل نفعه يعود الى غيره: وفى المثنوى

جوع يوسف بود آن يعقوب را بوى نانش مى رسيد ازدورجا
آنكه بستد بيرهن رامى شتافت بوى بيراهان يوسف مى نيافت
وانكه صدفر سنك زآن سوبوى او جونكه بد يعقوب مى بوييد بو
اى بسا عالم زدانش بى نصيب حافظ علمست آنكست نى حبيب
زانكه ببراهان بدستش عاريه است جون بدست آر نخاسى جاريه است
جاريه بيش نخاسى سرسريست در كف او از براى مشتريست

ومن وصايا الخضر.
كن نفاعا ولا تكن ضرارا. وكن بشاشا ولا تكن عبوسا غضابا. واياك واللجاجة. ولا تمش فى غير حاجة. ولا تضحك من غير عجب. ولا تعير المذنبين خطاياهم بعد الندم. وابك على خطيئتك ما دمت حيا. ولا تؤخر عمل اليوم الى الغد. واجعل همك فى معادك ولا تخض فيما لا يعنيك. ولا تأمن لخوف من امنك. ولا تيأس من الا من من خوفك. وتدبر الامور فى علانيتك. ولا تذر الاحسان فى قدرتك فقال له موسى قد ابلغت الوصية فاتم الله عليك نعمته وغمرك فى رحمته وكلأك من عدوه.
فقال له الخضر اوصنى انت يا موسى فقال له موسى اياك والغضب الا فى الله. ولا تحب الدنيا فانها تخرجك من الايمان وتدخلك فى الكفر فقال له الخضر قد ابلغت فى الوصية فاعانك الله على طاعته واراك السرور فى امرك وحببك الى خلقه واوسع عليك من فضله قال له آمين كما فى التعريف والاعلام للامام السهيلىرحمه الله .
وفى بعث موسى الى الخضر اشارة الى ان الكمال فى الانتقال من علوم الشريعة المبنية على الظواهر الى علوم الباطن المبنية على التطلع الى حقائق الامور كما فى تفسير الامام.
قال بعض العارفين من لم يكن له نصيب من هذا العلم اى العلم الوهبى الكشفى اخاف عليه سوء الخاتمة وادنى النصيب التصديق به وتسليمه لاهله واقل عقوبة من ينكره ان لا يرزق منه شيئا وهو علم الصديقين والمقربين كذا فى احياء العلوم.
وفى الآية اشارات منها انه تعالى من كمال حكمته وغاية رأفته ورحمته فى حق عباده يستعمل نبيين مثل موسى والخضر عليهما السلام فى مصلحة الطفلين.
ومنها ان مثل الانبياء يجوز ان يسعى فى امر دنيوى اذا كان فيه صلاح امر اخروى لا سيما فائدة راجعة الى غيره فى الله. ومنها ان يعلم ان الله تعالى يحفظ بصالح قوما وقبيلة ويوصل بركاته الى البطن السابع منه كما قال { وكان ابوهما صالحا }.
قال محمد بن المنكدر ان الله يحفظ بالرجل الصالح ولده وولد ولده وعشيرته والدويرات اى اهلها حوله فلا يزالون فى حفظ الله وستره.
قال سعيد بن المسيب انى اصلى واذكر ولدى فازيد فى صلاتى. وصح عن ابن عباس رضى الله عنهما فى قوله تعالى { وكان ابوهما صالحا } انه قال حفظا بصلاح ابيهما وما ذكر منهما صلاحا فاذا نفع الاب الصالح مع انه السابع كما قيل فى الآية فما بالك بسيد الانبياء والمرسلين بالنسبة إلى قرابته الطاهرة الطيبة المطهرة.
وقد قيل ان حمام الحرم انما اكرم لانه من ذرية حمامتين عششت على غار ثور الذى اختفى فيه النبى عليه السلام عند خروجه من مكة للهجرة كما فى الصواعق لابن حجر. وذكر ان بعض العلوية هم هارون الرشيد بقتله فلما دخل عليه اكرمه وخلى سبيله فقيل بم دعوت حتى انجاك الله منه فقال قلت يا من حفظ الكنز على الصبيين لصلاح ابيهما احفظنى لصلاح آبائى كما فى العرائس.
ومنها ليتأدب المريد فيما استعمله الشيخ وينقاد له ولا يعمل الا لوجه الله ولا يشوب عمله بطمع دنيوى وغرض نفسانى ليحبط عمله ويقطع حبل الصحبة ويوجب الفرقة.
ومنها ان الله تعالى يحفظ المال الصالح للعبد الصالح اذا كان فيه صلاح. ومنها ليتحقق ان كل ما يجرى على ارباب النبوة واصحاب الولاية انما يكون بامر من اوامر الله ظاهرا وباطنا. اما الظاهر فكحال الخضر كما قال { وما فعلته عن امرى } اى فعلته بامر ربى. واما الباطن فحكال موسى واعتراضه على وفق شريعته.
ومنها ان الصبر على افاعيل المشايخ امر شديد فان زل قدم مريد صادق فى امر من اوامر الشيخ او تطرق اليه انكار على بعض افعال المشايخ او اعتراه اعتراض على بعض معاملاته او اعوزه الصبر على ذلك فليعذره ويعف عنه ويتجاوز الى ثلاث مرات فان قال بعد الثالثة هذا فراق بينى وبينك يكون معذورا ومشكورا ثم ينبئه عن افاعيله ويقول ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا. قال فى العوارف ويحذر المريد الاعتراض على الشيخ ويزيل اتهام الشيخ عن باطنه فى جميع تصاريفه فانه السم القاتل للمريدين وقل ان يكون مريد يعترض على الشيخ بباطنه فيفلح ويذكر المريد فى كل ما اشكل عليه من تصاريف الشيخ قصة موسى مع الخضر كيف كان يصدر من الخضر تصاريف ينكرها موسى ثم لما كشف له عن معناها بان لموسى وجه الصواب فى ذلك فهكذا ينبغى للمريد ان يعلم ان كل تصرف اشكل عليه صحته من الشيخ عند الشيخ فيه بيان وبرهان للصحة انتهى: قال الحافظ

نصيحتى كنمت بشنو وبهانه مكير هر آنكه ناصح مشفق بكويدت ببذير

وينبغى ان يكون المرشد محققا ومشفقا لا مقلدا غير مشفق كيلا يضيع سعى من اقتدى به فانه قيل

اذا كان الغراب دليل قوم سيهديهم الى ارض الجياف

قال الحافظ

دردم نهفته به زطبيبان مدعى باشدكه ازخزانه غيبش دواكنند

قال الصائب

ربى درد ان علاج دردخود جستن بآن ماند كه خاراز بابرون آرد كسى بانيش عقربها

ومنها انه اذا تعارض ضرر ان يجب تحمل اهونهما لدفع اعظمهما وهو اصل ممهد غير ان الشرائع فى تفاصيله مختلفة مثاله. رجل عليه جرح لو سجد له سال جرحه وان لم يسجد لم يصل فانه يصلى قاعدا يومى بالركوع والسجود لان ترك الركوع والسجود اهون من الصلاة مع الحدث. وشيخ لا يقدر على القراءة ان صلى قائما ويقدر عليها ان صلى قاعدا يصلى قاعدا مع القراءة ولو صلى فى الفصلين قائما مع الحدث وترك القراءة لم يجز. ورجل لو خرج الى الجماعة لا يقدر على القيام ولو صلى فى بيته صلى قاعدا صححه فى الخلاصة وفى شرح المنية يصلى فى بيته قائما قال ابن نجيم وهو الاظهر ومن اضطر. وعنده ميتة ومال الغير اكلها دونه. ورجل قيل له لتلقين نفسك فى النار او من الجبل او لاقتلنك وكان الالقاء بحيث لا ينجو يختار ما هو الاهون فى زعمه عند الامام يصبر حتى يقتل كذا فى الاشباه.